إن أصحاب المنهج الأول وظفوا العقل فيما خلق له في التعرف على عالم الشهادة، وعرفوا له قدره وحدوده في مجال التعرف على عالم الغيب، عرفوا أن العقل في عالم الشهادة مسلط لاكتشاف الكون وقوانينه، وهو في عالم الغيب متعلم يأخذ العلم من مصادره التي غاب عنها أو غابت عنه والتي جاء الخبر عنها، معصوما عن معصوم عن الله سبحانه. عرفوا أن العقل يملك البحث والتعرف على عالم الشهادة, لكنه يفقد جميع الأدوات التي يتعرف بها عالم الغيب إلا مصدرا واحدا هو الوحي الذي هو إخبار الله عن ذاته بذاته على لسان رسوله، هذا إذا كان للعقل أن يدعي الإيمان بما جاء به الرسول. أما إذا كان العقل رافضا الأخذ عن الرسول ابتداء فهذا له شأن آخر, وليس لنا معه هنا من حديث.
أما أصحاب المنهج الثاني فلم يفرقوا في ذلك بين عالم الشهادة وعالم الغيب في علاقة العقل بكل منهما, ونسوا في ذلك أن روافد المعرفة العقلية إلى عالم الشهادة يمتلك العقل أدواتها وهي الحواس الخمس. أما بالنسبة لعالم الغيب فلا يملك من أدوات التعرف عليه إلا الجهل المطبق، أو التخيل، أو التوهم، أو الظن, وكل هذه المستويات المعرفية لا تغني في مجال الإيمان شيئا.
والسؤال الآن: أي المنهجين أكثر احتراما للعقل, وأيهما أكثر عقلانية: أن نأخذ الحديث عن الغيب وعن الله مأخذ التصديق به كما