جاء به الوحي, أم نتخيل له كيفيات عقلية لسنا مطالبين بها أولا، ولا سبيل لنا إلى العلم بها بالحواس ثانيا؟
إن القضية هنا تتعلق بتصديق الرسول في كل ما أخبر به عن عالم الغيب, أو عدم تصديقه.
فإذا كان المخاطب بذلك مؤمنا بمحمد -صلى الله عليه وسلم- وبرسالته وأنه صادق في الحديث عن الله وبما أنزل الله، فلا شك أن كل ما أخبر به الرسول عن قضايا الغيب يكون عنده حق لا مرية فيه. ولا يجيز للعقل أن يتدخل في ذلك بالتخيل أو التوهم لكي يتأول النص الإلهي على ما تخيله بعقله أو توهمه بظنه.
أما إذا لم يكن له من الإيمان بنبوة الرسول نصيب، فيكون الحديث معه أولا في تثبيت النبوة وعن دلائل صدق النبي فيما أخبر به عن الله. فإذا ما ثبت عنده صدق النبي في كل ما أخبر به، يكون ذلك وحده مدخلا صحيحا لتسليم العقل بما أخبر به الرسول عن الغيبيات, خاصة إذا عرفنا أن قضايا الغيب لم يطلب الشرع منا أن نبحث فيها لا كما ولا كيفا، ولكن طلب منا الإيمان بها على ما أخبر به الرسول فقط. ولذلك فإن السلف قد دونوا معالم المنهج وأصوله, خاصة فيما يتصل بالغيبيات، وكانوا لا ينقلون من الأحاديث إلا ما صح عندهم عن الرسول، ولا من الآثار إلا ما له نسب إلى الرسول أو إلى أحد صحابته -رضوان الله عليهم- وإذا أرادوا شرح آية أو بيانا