للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ص:  >  >>

وعن ابن عباس قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "ما من مسلم يموت فيقوم على جنازته أربعون رجلا لا يشركون بالله شيئا إلا شفعهم الله فيه" رواه مسلم١.

فهذا مقصود الصلاة على الميت وهو الدعاء والاستغفار والشفاعة فيه. ومعلوم أنه في قبره أشد حاجة على نعشه، فإنه حينئذ معرض للسؤال وغيره وقد كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقف على القبر بعد الدفن فيقول: "سلوا له التثبيت فإنه الآن يسأل" ٢ فعلم أنه أحوج إلى الدعاء بعد الدفن.

فإذا كنا على جنازته ندعو له لا ندعو به ونشفع له لا نستشفع به، فبعد الدفن أولى وأحرى، فبدل أهل الشرك والبدع قولا غير الذي قيل لهم، بدلوا الدعاء له بدعائه نفسه والشفاعة له بالاستشفاع به، وقصدوا بالزيارة التي شرعها رسول الله صلى الله عليه وسلم إحسانا إلى الميت وإحسانا إلى الزائر وتذكيرا بالآخرة سؤال الميت والإقسام به على الله وتخصيص تلك البقعة بالدعاء الذي هو مخ العبادة، وحضور القلب عندها وخشوعه أعظم منه في المساجد وأوقات الصلوات.

ومن المحال أن يكون دعاء الموتى أو الدعاء بهم٣ أو الدعاء عندهم مشروعا وعملا صالحا وتصرف عنه القرون الثلاثة المفضلة بنص رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم يرزقه الخلوف الذين يقولون ما لا يفعلون، ويفعلون ما لا يؤمرون.

فهذه سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم وسنة خلفائه الراشدين وهذه طريقة جميع الصحابة والتابعين لهم بإحسان، هل يمكن بشرا على وجه الأرض أن يأتي عن أحد منهم بنقل صحيح أو حسن أو ضعيف أو منقطع أنهم كانوا إذا


١ أخرجه مسلم، كتاب الجنائز، باب من صلى عليه أربعون شفعوا فيه، حديث ٢١٩٦.
٢ أخرجه أبو داود، كتاب الجنائز، باب الاستغفار عند القبر للميت في وقت الانصراف حديث ٣٢٢١ وصححه العلامة الألباني.
٣ سقطت "والدعاء بهم" من "أ".

<<  <   >  >>