نعم لقد وردت آثار كثيرة عن السلف من الصحابة وغيرهم تدل على حكمة التحريم وهي أنها تلهي عن ذكر الله تعالى وطاعته والقيام بالواجبات الشرعية مقتبسين ذلك من تسمية الله تعالى إياه ب {لَهْوَ الْحَدِيثِ} في قوله: {وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَشْتَرِي لَهْوَ الْحَدِيثِ لِيُضِلَّ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ بِغَيْرِ عِلْمٍ وَيَتَّخِذَهَا هُزُواً أُولَئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ مُهِينٌ} وأنها نزلت في الغناء ونحوه فأذكر منها ما ثبت إسناده إليهم:
فأولهم: ترجمان القرآن عبد الله بن عباس رضي الله عنهما قال:
نزلت في الغناء وأشباهه١.
١ قلت: هذا هو الصحيح عن ابن عباس وأما ما أخرجه جويبر عنه أنها نزلت في النضر بن الحارث؛ أنه اشترى قينة فكان لا يسمع أحدا يريد الإسلام إلا انطلق به إلى قينته فيقول: أطعميه واسقيه وغنيه هذا خير مما يدعوك إليه محمد من الصلاة والصيام وان تقاتل بين يديه كما في الدر ٥/١٥٩. فأقول وهو ضعيف جدا جويبر هذا قال الدارقطني وغيره متروك. ومثله ما ذكره الواحدي في أسباب النزول ص٢٥٩: قال الكلبي ومقاتل: نزلت في النضر بن الحارث وذلك أنه كان يخرج تاجرا إلى بلاد فارس فيشتري أخبار الأعاجم فيرويها ويحدث بها قريشا ويقول لهم إن محمد يحدثكم بحديث عاد وثمود وأنا أحدثكم بحديث رستم واسفنديار وأخبار الأكاسرة فيستملحون حديثه ويتركون سماع القرآن فنزلت فيهم هذه الآية. قلت: والكلبي ومقاتل متروكان أيضا متهمان بالكذب مع ما في روايتهم من المخالفة لرواية جويبر وعزاه السيوطي للبيهقي عن ابن عباس بنحو روايتهما في شعب الإيمان، ولم يتيسر لي الوقوف عليه فيه لأنظر في إسناده وما أراه يصح ولعله لذلك لم يذكره ابن جرير وابن كثير وغيرهما من الحفاظ المحققين بل أشار القرطبي إلى تضعيفه بقوله ١٤/٥٢، وقيل: نزلت في النضر بن الحارث.. وكذلك قال الزمخشري من قبل ٣/٢١٠ =