للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وأفعاله لا يماثل استواء المخلوقين، كما أن الله نفسه لا يماثل المخلوقين.

ألا ترى إلى قوله تعالى: {وَالسَّمَاءَ بَنَيْنَاهَا بِأَيْدٍ} [الذاريات: ٤٧] ؟ هل يتوهم أحد أن بناءه إياها كبناء المخلوق سقف البيت، بحيث يحتاج إلى زنبيل ومجارف وضرب لبن، وجبل طين ونحو ذلك، فإذا كان لا يحتاج إلى ذلك في هذا الفعل من أفعاله، لزم أن لا يكون محتاجاً إلى العرش في استوائه عليه، بل هو سبحانه الغني عن العرش وغيره.

فتجد هذا نفي حقيقة الاستواء الذي هو ظاهر النصوص وقع في تلك المحاذير الأربعة:

- فقد مثل ما فهمه من استواء الله على عرشه باستواء المخلوقين.

- وعطل النصوص عما دلت عليه من صفة الاستواء اللائق بالله، ثم حرفها إلى معان لا تدل عليها.

- وكان نفيه لذلك وتعطيله بلا علم، بل عن جهل وظن فاسد.

- ولزم من نفيه لصفة الكمال التي تضمنها الاستواء ثبوت صفة نقص بفوات هذا الكمال.

* مثال آخر: قوله تعالى: {أَأَمِنْتُمْ مَنْ فِي السَّمَاءِ أَنْ يَخْسِفَ بِكُمُ الْأَرْضَ فَإِذَا هِيَ تَمُورُ} [الملك:١٦] . فيتوهم واهم أن الله تعالى داخل السماء، وأن السماء تحيط به كما لو قلنا: فلان في الحجرة فإن الحجرة محيطة به، فينفي بناء على هذا الوهم كون الله تعالى في السماء ويقول: إن الذي في السماء ملكه وسلطانه ... ونحو ذلك.

ومنشأ هذا الوهم ظنه أن "في" التي للظرفية تكون بمعنى واحد في جميع مواردها، وهذا ظن فاسد؛ فإن "في" يختلق معناه بحسب متعلقها؛ فإنه يفرق

<<  <   >  >>