وذكر ذلك النحاس١ في كتاب"الحروف" والمعتمد في قدم الحروف قوله تعالى: {إِنَّمَا قَوْلُنَا لِشَيْءٍ إِذَا أَرَدْنَاهُ أَنْ نَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ}[النحل:٤٠] .
و" كن" حرفان وليس المراد بمعنى"كن" إذ هو خروج عن صريح اللفظ ولكون المعنى لو كان مقتضياً، الإيجاد لزم من ذلك قدم العالم وهو محال فلا يكون الأمر مقتضياً، وحدوثها يستلزم إثبات حوادث لا أول لها وهو محال فلا بد من الاعتراف بكون"كن" قديمة رفعاً لهذا التسلسل، وإذا ثبت ذلك في" كن" ثبت في الجميع لعدم القائل، فالفصل لايقال هي متأخرة في الآية فتكون محدثة ضرورة كون المتأخر محدثاً لأنا نقول ذلك تأخر لفظي لا يتحقق إلا في الخارج وهو غير مشعر بالحدوث فإنه يقال في صفات الله تعالى حي، عالم، سميع، بصير، مع قدم الجميع بالاتفاق، لايقال يلزم على هذا أن تكون المعاصي مأموراً بها لكونها مرادة لله تعالى فتكون مندرجة تحت"كن" إذ وجودها غير موجب، بل الموجب هو تعلق"كن" بالمراد بالقول المذكور في الآية إذ لو لم يكن كذلك لخرج ذكر القول في الآية عبثاً، والبارئ تعالى منزه عن ذلك، والاعتماد في قدم الحروف يظهر في دليل المسألة بالاستنتاج الصحيح، فليتأمل ذلك ففيه الكفاية والغنية للمستبصر بنور العلم المستضيء بضياء الشرع.
لايقال يلزم على ما ذكرتم من قدم الحروف، قدم كل ما يتخاطب به الناس في معايشهم وأمورهم ضرورة عدم انفكاك الحروف عن جميع ذلك لأنا نجيب من وجهين:
١ أحمد بن محمد بن إسماعيل، المصري النحوي، أبو جعفر، العلامة إمام العربية، صاحب التصانيف، ارتحل إلى بغداد وأخذ عن الزجاج، وكان ينظر في زمانه بابن الأنبا ري وبنفطويه للمصريين، توفي سنة (٣٣٨هـ) " سير أعلام النبلاء" (١٢/٧١) .