[فصل في اعتدال أهل السنة بين غلو الشيعة وجفوة النواصب]
وأما قوله:(وانظر تواريخ الإسلام وما قال الناس، هل أحد روى أن معاوية وأصحابه ضمنوا ما أفسدوا من حقوق المسلمين، وأنهم تابوا من تلك الطامة، والفاحشة العامة، والمعصية الكبيرة، وهو البغي الذي أقررت به، وهل ودوا عمارا وخزيمة وأبا الهيثم وأويسا القرني -سيد التابعين- وغيرهم، وسلموا دياتهم إلى أهليهم، أم ماتوا متلطخين بدمائهم وبالفسق والعصيان؟)
(فالجواب) : أن يقال كل ما ذكرت في معاوية وأصحابه قد جرى مثله لعلي وأصحابه أو ما هو أعظم من ذلك، وهو قتل طلحة والزبير ومن معهما من المهاجرين والأنصار، وأعظم من ذلك أن قتلة عثمان أمير المؤمنين رضي الله عنه كانوا مع علي، وكانوا من رؤوس عسكره، فما قلت في معاوية يقال في علي رضي الله عنه فكما تأوَّل علي رضي الله عنه في الدماء كذلك تأوَّل معاوية وأصحابه، فإن صحَّت هذه الدعوى ففيها من القدح والغضاضة في علي والحسن والحسين وابن عباس -رضي الله عنهم- ما لا يخفى.
وهذه الحجة التي ذكرت مما يحتج بها معاوية رضي الله عنه وأصحابه على علي رضي الله عنه وأصحابه، ولا يمكنك أن تأتي بحجة صحيحة تُبَرِّيء بها عليا وأصحابه دون معاوية وأصحابه، إلا بالمكابرة والمعاندة.
فظهر بما ذكرناه أن مذهب أهل السنة والجماعة هو الصواب الذي لا يتناقض؛ لأن الباغي قد يكون متأوِّلا معتقدا أنه على حق، وقد يكون متعمدا يعلم أنه باغٍ، وقد يكون بغيه مركبا من شبهة وشهوة وهو الغالب، وعلى كل تقدير فهذا لا يقدح فيما عليه أهل السنة، فأصلهم مستقيم مطرد في هذا الباب، وأما أنتم فمتناقضون.
وذلك أن النواصب من الخوارج وغيرهم الذين يُكَفِّرون عليا أو يُفسِّقُونه أو يشكون في عدالته من المعتزلة والمروانية وغيرهم لو قالوا لكم: ما الدليل على إيمان