للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

فصل

وأما قوله: (إن المراد بقوله تعالى: {إِنْ طَائِفَتَانِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُوا} ١ أي: أرادوا الاقتتال، وأنها كقوله تعالى: {مَنْ يَرْتَدَّ مِنْكُمْ عَنْ دِينِهِ} ٢، وقول الرسول صلى الله عليه وسلم "من بدَّل دينه فاقتلوه" ٣ إلى آخر كلامه) .

(فالجواب) : أن يقال: هذا لو عارضناه بكلام أهل التفسير من أهل السنة والجماعة، أو بما رووه من الأحاديث لم يقبل ذلك، فالواجب معارضته بما لا يقدر على إنكاره، وهو ما اتفقنا نحن وهم عليه، وهو أن الحسن بن علي -رضي الله عنهما- انخلع من الخلافة لمعاوية مع حضور أهل البيت وجمهور المسلمين معه، أفتقول: إن الحسن لا يفهم كلام الله ولا كلام رسوله صلى الله عليه وسلم، وإنما عرفته أنت وشيعتك؟ فيلزم من كلامك أن الحسن ومَنْ معه هم الذين سلَّطوا الكفار والفساق على فساد الدين، والكفر برب العالمين.

(وجواب ثان) : وهو أنه تواتر عن علي رضي الله عنه أنه لَمَّا قتل أهل الجمل، لم يفعل فيهم كفعله في الكفار المرتدين من السبي، وأخذ الأموال، والإجهاز على الجريح كما احتجَّ بهذه الحجة على الخوارج حبر الأمة، وترجمان القرآن ابن عباس -رضي الله عنهما-.

(وجواب ثالث) : وهو أن يقال: الآية نفسها مصرِّحة بنقيض ما فسَّرها به هذا المعترض؛ لأن الله -تبارك وتعالى- قال في أولها: "اقتتلوا" وهذا فعل ماض بإجماع النحويين، ثم قال: {فَإِنْ بَغَتْ إِحْدَاهُمَا عَلَى الأُخْرَى} ٤ أي: بعد الاقتتال والإصلاح، ثم قال: {فَإِنْ فَاءَتْ} ٥ أي: رجعت عن البغي {فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا بِالْعَدْلِ وَأَقْسِطُوا إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ} ٦ ثم قال: {إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ فَأَصْلِحُوا بَيْنَ


١ سورة الحجرات آية: ٩.
٢ سورة المائدة آية: ٥٤.
٣ البخاري: الجهاد والسير (٣٠١٧) , والترمذي: الحدود (١٤٥٨) , والنسائي: تحريم الدم (٤٠٥٩ ,٤٠٦٠ ,٤٠٦١ ,٤٠٦٢ ,٤٠٦٤ ,٤٠٦٥) , وأبو داود: الحدود (٤٣٥١) , وابن ماجه: الحدود (٢٥٣٥) , وأحمد (١/٢١٧ ,١/٢٨٢ ,١/٣٢٢) .
٤ سورة الحجرات آية: ٩.
٥ سورة الحجرات آية: ٩.
٦ سورة الحجرات آية: ٩.

<<  <   >  >>