أسيافنا من الجد والحرص على قتال أهل الشام، وعلينا أبو العمرطة، فلما جاءنا صلح الحسن بن علي كأنما كسرت ظهورنا من الغيظ والحزن، فلما جاء الحسن الكوفة أتاه شيخ منا يُكْنَى أبا عامر فقال: السلام عليك يا مذل المؤمنين. فقال: لا تقل هكذا يا أبا عامر، فإني لم أذل المؤمنين، ولكني كرهت أن أقتلهم على طلب الملك.
قال أبو عمر: وروينا من وجوه أن الحسن بن علي رضي الله عنه لما حضرته الوفاة قال للحسين أخيه: "يا أخي، إن أباك -رحمه الله- لمَّا قُبِضَ رسول الله صلى الله عليه وسلم استشرف لهذا الأمر، ورجا أن يكون صاحبه، فصرف الله ذلك عنه، ووليها أبو بكر. فلما حضرت أبا بكر الوفاة تشوَّف إليها، وصرفت عنه إلى عمر. فلما احتضر عمر جعلها شورى بين ستة هو أحدهم، فلم يشك أنها لا تعدوه، فصرفت عنه إلى عثمان. فلما هلك عثمان بويع، ثم نوزع حتى جرَّد السيف، فطلبها وما صفا له شيء منها. وإني والله ما أرى أن يجمع الله فينا- أهل البيت- النبوة والخلافة، فلأعرفن ربما استخفَّك سفهاء الكوفة فأخرجوك". انتهى. فانظر -رحمك الله- إلى كلام هذا السيد، وما فيه من الرد على هذا المعترض من دعواه النص على عليٍّ رضي الله عنه وغير ذلك من الدعاوى الباطلة يتبين لك مخالفته لأهل البيت، وأن دعواه محبة أهل البيت كذب وافتراء ودعوى لا حقيقة لها.
كيف كان الصلح بين الحسن ومعاوية
ومن العجب أن يدَّعي عصمة أهل البيت فيحتج بالأحاديث والآيات على ذلك، وأنهم كسفينة نوح وباب حطة، ثم يخالفهم ويرد كلامهم، ولازم كلامه أن فعل الحسن رضي الله عنه من نزوله عن الخلافة ومصالحته معاوية هو سبب افتراق الأمة وضلالتها، وأن كلام الحسن لأخيه الحسين -رضي الله عنهما- كلام باطل، بل الواجب على الحسين وغيره من المسلمين الخروج على معاوية رضي الله عنه ومقاتلته وانتزاع الخلافة منه، ونحن نقول: بل الحسن مصيب بارٌّ راشد ممدوح، وليس يجد في صدره مما صنع حرجا ولا تلوُّما ولا ندما، بل هو راضٍ بذلك مستبشر به، وإن كان هذا قد ساء خلقا من ذويه وشيعته ولا سيما بعد ذلك بمدد وهلم جرا