ففي هذا من الرد على المعترض ما يعرفه كل منصف، وذلك أن هذا المعترض جعل هذا الصلح والاجتماع الذي فعله الحسن بن علي، ووافقه عليه أهل بيته وجمهور المسلمين هو سبب فساد الأمة وافتراقها، فعلى كلامه يكون الحسن هو الذي تسبَّب في فساد الأمة، وظهور الفتن فيها.
فإن قال: ألجأه إلى ذلك الخوف والضعف. قلنا: هذا باطل من وجوه كثيرة: (منها) : ما تقدم من كثرة جيش الحسن رضي الله عنه ومحبة الناس له وانقيادهم معه، وقد بيَّن رضي الله عنه أن الذي حمله على ذلك هو كفُّ الفتنة، وإيثار الآخرة على الدنيا؛ ولهذا مدحه النبي صلى الله عليه وسلم على فعله ذلك.
قال العلماء -رحمة الله عليهم-: فدلَّ هذا على أن قتال أهل الشام ليس بواجب قد أوجبه الله ورسوله، ولو كان واجبا لم يمدح النبي صلى الله عليه وسلم الحسن بتركه. فدل الحديث على أن ما فعله الحسن بن علي مما يحبه الله ورسوله، وتواترت الأخبار عن علي رضي الله عنه بكراهة القتال في آخر الأمر، لما رأى اختلاف الناس، واختلاف شيعته عليه وتفرقهم، وكثرة الشر الذي أوجب أنه لو استقبل من أمره ما استدبر ما فعل ما فعل، وكان يقول رضي الله عنه ليالي صفين "لله در مقام قامه عبد الله بن عمر وسعد بن مالك: إن كان برا إن أجره لعظيم، وإن كان إثما إن خطره ليسير"، وكان يقول لابنه الحسن رضي الله عنه:"يا حسن، يا حسن، ما ظن أبوك أن الأمر يبلغ إلى هذا، ود أبوك لو مات قبل هذا بعشرين سنة".
ما كان بين علي ومعاوية – رضي الله عنه - من المهادنة بعد صفين
حتى ذكر ابن كثير وغيره من أهل التواريخ أن في سنة أربعين بعد وقعة صفين جرت بين علي ومعاوية المهادنة على وضع الحرب، وأن يكون ملك العراق لعلي، ولمعاوية ملك الشام، ولا يدخل أحد على صاحبه في عمله بجيش ولا غارة ولا غيرها، ذكر ذلك من رواية زياد عن ابن إسحاق؛ وذلك لأن معاوية رضي الله