للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

الله، والدليل على أن مذهب السلف ما ذكرنا أنهم نقلوا إلينا القرآن العظيم، وإخبار رسول الله صلى الله عليه وسلم نقل مصدق لها، يؤمن بها غير مرتاب فيها ولا شاك في صدق قائلها، ولم يفسروا ما يتعلق بالصفات بتأويل ولا غيره، ولا شبهوه بصفات المخلوقين؛ إذ لو فعلوا شيئا من ذلك لنقل عنهم، ولم يجز أن يكتم بالكلية، إذ لا يجوز التواطؤ على كتمان ما يحتاج إلى نقله ومعرفته؛ لجريان ذلك في القبح مجرى التواطؤ على نقل الكذب، وفعل ما لا يحل، بل بلغ من مبالغتهم في السكوت عن هذا، أنهم كانوا إذا رأوا من يسأل عن المتشابه بالغوا في كفه وزجره، تارة بالقول العنيف، وتارة بالضرب، وتارة بالإعراض الدال على شدة الكراهة لمسألته.

ولذلك لما بلغ عمر رضي الله عنه أن صبيغا يسأل عن المتشابه، أعد له عراجين النخل، ثم أمر به فضرب ضربا شديدا، وبعث به إلى البصرة، وأمرهم أن لا يجالسوه فكان بها كالبعير الأجرب؛ لا يأتي مجلسا إلا قالوا: عزله أمير المؤمنين فتفرقوا عنه.

وقال سعيد بن جبير: ما لم يعرفه البدريون فليس من الدين.

وثبت عن الربيع بن سليمان قال: سألت الشافعي رضي الله عنه عن صفات الله -تعالى-، فقال: حرام على العقول أن تمثل الله -تعالى-، وعلى الأوهام أن تحده، وعلى الظنون أن تقطع، وعلى النفوس أن تفكر، وعلى الضمائر أن تتعمق، وعلى الخواطر أن تحيط، وعلى العقول أن تعقل إلا ما وصف الله به نفسه، أو على لسان نبيه صلى الله عليه وسلم.

وثبت عن الحميدي أبي بكر عبد الله بن الزبير أنه قال: أصول السنة، فذكر أشياء- ثم قال: وما نطق به القرآن، والحديث مثل: {وَقَالَتِ الْيَهُودُ يَدُ اللَّهِ مَغْلُولَةٌ} ١. ومثل: {وَالسَّمَاوَاتُ مَطْوِيَّاتٌ بِيَمِينِهِ} ٢. وما أشبه هذا من القرآن والحديث، ولا نزيد فيه، ولا نفسره.

ونقف على ما وقف عليه القرآن والسنة، ونقول: {الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى} ٣. فمن زعم غير هذا فهو جهمي، فمذهب السلف -رحمة الله عليهم-: إثبات الصفات، وإجراؤها على ظاهرها


١ سورة المائدة آية: ٦٤.
٢ سورة الزمر آية: ٦٧.
٣ سورة طه آية: ٥.

<<  <   >  >>