ومن أهم النقاط التي تعرض لها خلال هذا العرض مسألة جديرة أن يعيها المنتصبون للإفتاء وذلك في قوله:"ومن فقه المفتي إذا سأله عن شيء فمنعه أن يدله على ما هو عوض منه، ورأيت شيخنا يتحرى ذلك في فتاواه، وقد منع النبي صلى الله عليه وسلم بلالا أن يشتري صاعا من التمر الجيد بصاعين من الرديء ثم دله على الطريق المباح"١.
وهذه دقائق لا يدركها إلا الراسخون في العلم وفهم المجتمع.
من خلال الدراسات السابقة للتراث الفكري الفقهي لشيخ الإسلام محمد بن عبد الوهاب، تجلت لنا خصائصه الفكرية في هذا الجانب متميزة بتقدير التراث الفقهي، تعطيه حقه من التقدير في غير مبالغة أو مغالاة تؤدي إلى الجمود وذوبان الشخصية، فهو متمذهب وهو حنبلي ولكنه بعيد عن الجمود، فالواجب في نظره اتباع العلماء في إجماعهم، فإذا اختلفوا فالمرجع والمرجح هو الكتاب والسنة مع مرونة فقهية في تطبيق أحكامها، فالأحكام على العفو والإباحة ما لم يرد دليل صريح بالتحريم، ولا اعتراض على المخالف في مسائل الاجتهاد.
إنها صورة مثالية تأخذ من التراث وتستفيد منه وتعتمد عليه في اعتدال لا جمود، واجتهاد يتمشى وروح الشريعة الإسلامية، ومرونة لا يغير ملامحها الشريعية بواقعية تعيش ظروف عصرها.
إن هذه النوعية من الفقه والفقهاء هي ضالة العصر المنشودة، وهي أيضا المثل الوسط الذي لا يجمد على القديم لدرجة العبادة والتقديس، ولا يتمرد عليه لحد الإنكار والجمود.
إن الأمة الإسلامية لو اهتدت إلى إيجاد جيل من الفقهاء يحمل هذه الخصائص والصفات، فإنها ستعيد للفقه الإسلامي إشراقه وحيويته ودوره في حياتنا الحاضرة ولم يعدم الإسلام عبر قرونه تقديم نماذج متجددة من هذه الأمثلة لإبقائه حيا متجددا، مهما تقادم الزمن، والله يقضي بالحق وهو الهادي إلى سواء السبيل.