وإذا كانت كافة الدلائل تشير إلى هذا فإنه مما يستحق البحث تحديد الفترة التي تعرف بها على فكر هذين العالمين الجليلين، هل حدث له هذا أيام طلبه العلم ببلدته العيينة وقبل رحيله إلى الحجاز والبصرة، أم أن اهتمامه بفكرهما جاء صدى ونتيجة تنقله واحتكاكه بالعلماء في تلك البلاد؟
إن هذه التساؤلات تبدو للوهلة الأولى غير ذات جدوى، ولكن الباحث كما يهمه أن يعرف مصدر هذا الاستقلال الفكري الجديد، يهمه أن يعرف متى وكيف ظهر، وهل هو ذاتي صادر من داخل رغبة الشيخ محمد بن عبد الوهاب؟ أم هو بعامل خارجي شجعه على تبنيه والتحمس له؟
إن المؤرخين للشيخ محمد بن عبد الوهاب لم يحققوا هذه النقطة كما ينبغي ولهذا جاءت رواياتهم متضاربة.
١- ففريق لم ينوه عن هذه الصلة قصدا ولا استطرادا: ويتبين هذا من عرض نصوصهم لحياته العلمية.
يذكر المؤرخ عثمان بن بشر في معرض حديثه عن نشأته وحياته العلمية قوله: "وكان رحمه الله في صغره كثير المطالعة في كتب التفسير والحديث وكلام العلماء في أصل الإسلام، فشرح الله صدره في معرفة التوحيد وتحقيقه ومعرفة نواقضه المضلة عن طريقه، وكان الشرك إذ ذاك قد مشى في نجد وغيرها.. فلما تحقق الشيخ- رحمه الله- معرفة التوحيد ومعرفة نواقضه وما وقع فيه كثير من الناس من هذه البدع المضلة صار ينكر هذه الأشياء ولما رأى أنه لا يغني القول، ولم يتلق الرؤساء الحق بالقبول، تجهز من بلد العيينة إلى حج بيت الله الحرام، فلما قضى حجه سار إلى المدينة على ساكنها أفضل الصلاة والسلام، فلما وصلها وجد فيها الشيخ العالم عبد الله بن إبراهيم بن سيف من رؤساء بلد المجمعة، القرية المعروفة في ناحية سدير من نجد ... فأخذ الشيخ عنه، قال الشيخ: كنت عنده يوما فقال لي: أتريد أن أريك سلاحا أعددته للمجمعة، قلت: نعم، فأدخلني منزلا فيه كتب كثيرة فقال: هذا الذي أعددت لها، ثم إنه مضى به إلى الشيخ العلامة محمد حياة السندي المدني فأخبره بالشيخ محمد وعرفه به وبأهله، فأخذ عنه،