ولو كان من حق تركيا السياسي أن تغضب لسلطانها فما لهؤلاء العلماء من رجال الدين والمذاهب يتهمون المبادئ السامية الواضحة بأنها بدعة ويرضى بعضهم أن ينتظم في حملات الحرب عليها ليوهموا الجند المحاربين أنهم على حق ديني في محاربة الوهابية المبتدعة في الدين؟! لقد ساق محمد علي مع ابنه أحمد طوسون أربعة من أئمة مذاهب أهل السنة، حتى المذهب الحنبلي ساق إمامه أيضا، ليوهم بأنه مهتم بحرية الفكر وسلامة الدين، وليتخذهم حجة أكبر في الحرب على الوهابيين في نظر عامة الناس، ولكن كان من الشيوخ أئمة أفذاذ، فقد اعتذر عن الذهاب شيخان من رشيد ودمياط فأعفيا من السفر فاكتسبا لثغريهما تاريخا مجيدا١.
وبمسوق هؤلاء الأئمة أثبت محمد علي لابن تيمية حجته على علماء الأمصار الذين رآهم ابن تيمية في زمانه لا يصلحون لدعوة إصلاح خوفا على أرزاقهم الموصولة ومناصبهم المرموقة، فجاء أمثالهم بعد زمانه، ويجيؤون في كل زمان، وتبقى حجة ابن تيمية ثابتة على الدوام.
وبامتناع شيخي دمياط ورشيد أثبت الإمام أحمد وأتباعه من الحنابلة أن التعفف في رجال الدين يمنحهم الحرية التي تصرفهم عن الذل إن أريد بهم، ثم لا يكون في غير ذوي العفة الأحرار أمل في إصلاح ولا رجاء.