ميزان، وعرف -حين أفصح الصبح- أن اتهام الوهابية ورميها بأنها مبتدعة كان كذباً وتضليلاً، فخسر محمد علي وخسرت تركيا مرة ثانية جانب الحق في التاريخ، ولم يكن رجحان كفة الحق من انتصار السعوديين، ووقوع نجد والحجاز في حوزتهم وقيام وحدة البلاد تحت رايتهم بقدر ما كان هذا الرجحان من الرجوع إلى حقائق الدين ونصوصه المسطورة في القرآن والسيرة والحديث، وفي هدأة للتقدير الحق والوزن السليم.
ويخطئ من يظن أن في قدرة قوة حربية إزالة شكل من التعبير الديني القوي. نعم إنها ستسكته حينا حين تنتصر، ولكنه سيظهر لا محالة عندما يحين له أن تغفل عنه تلك القوة. وقد ظهر أن الوهابية قد عادت إلى الظهور ثانية وثالثة بعد عدوان القوى الحربية عليها، وكان ظهورها الغالب عندما بدأ عبد العزيز الأخير (الملك) حركة من التوسع أضاف خلالها المجاهدون الوهابيون معظم بلاد العرب إلى موطنهم نجد، وظلوا طوال عشرين عاما يضمون البلاد جزءا جزءا حتى قامت المملكة العربية السعودية في سنة ١٩٣٢ م وأعلنت أن عقيدتها هي عقيدة السلف الصالح أهل السنة والجماعة ولا خروج عنها قيد شعرة بفضل الله.
وبقيام هذه الدولة ضرب مثل جديد لوجوب الابتعاد عن المغالاة في تقدير أثر العوامل الحربية على نتائج الصراع الديني، فليس في إمكان أي إجراء تتخذه سلطة أن يستبقي أهل العقيدة في حظيرته وحبسه، إذ العقيدة ليست سلعة تجارية تتيسر حيازتها وفقا للطلب عليها وامتلاكها، وإنما هي لو وقعت في اليد فإن بقاءها فيها حتى ينام القابض عليها أو تغفل عينه فيسترخي، وحينئذ تتفلت من يده وهي في كاملها لم تفقد من قوتها شيئا.