أولا: من المعلوم بالضرورة أن الله سبحانه بعث محمدا صلى الله عليه وسلم يدعوا إلى التوحيد – وهو توحيد الألوهية- وينهى عن الشرك وهو عبادة غير الله. وأما الشرك بالربوبية فمن المعلوم بنصوص الكتاب أن المشركين الذين بعث إليهم رسول الله صلى الله عليه وسلم وقاتلهم يقرون بتوحيد الربوبية وأن شركهم هو في توحيد العبادة, وهو توحيد الألوهية الذي هو مضمون شهادة أن لا إله إلا الله , فعبدوا من عبدوه من دون الله ليشفعوا لهم عنده في نصرهم ورزقهم وغير ذلك كما قال تعالى أخبارا عنهم:{مَا نَعْبُدُهُمْ إِلَّا لِيُقَرِّبُونَا إِلَى اللَّهِ زُلْفَى}[الزمر٣] ، {هَؤُلاء شُفَعَاؤُنَا عِندَ اللهِ}[يونس:١٨] فبعث الله رسوله محمدا صلى الله عليه وسلم ينهاهم عن هذا الشرك ويدعوهم إلى توحيد العبادة وهذه دعوة الرسل من أولهم إلى آخرهم. قال تعالى:{وَلَقَدْ بَعَثْنَا فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَّسُولاً أَنِ اعْبُدُواْ اللهَ وَاجْتَنِبُواْ الطَّاغُوتَ}[النحل: ٣٦] ، وقوله:{وَمَا أَرْسَلْنَا مِن قَبْلِكَ مِن رَّسُولٍ إِلَّا نُوحِي إِلَيْهِ أَنَّهُ لَا إِلَهَ
إِلَّا أَنَا فَاعْبُدُونِ} [الأنبياء:٢٥] ، وهذا الأصل هو الذي خلق الله الجن والإنس لأجله قال تعالى:{وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ}[الذاريات:٥٦] .
فإذا تبين أن هذا هو أصل الأصول, علمنا يقينا أن الله سبحانه لا يترك هذا الأمر ملتبسا بل لابد أن يكون بينا واضحا لا لبس فيه ولا اشتباه؛ لأنه أصل الدين، ومعرفته فرض على كل مسلم مكلف ولا يجوز فيه التقليد.
وحقيقة ذلك أن الشرك هو عبادة غير الله تعالى. والعبادة هي الطاعة بفعل ما أمر الله به ورسوله من واجب ومندوب، فمن أخلص ذلك لله فهو الموحد، ومن جعل شيئا من العبادة لغير الله فهو مشرك. قال تعالى: