إن أهم معجزة للرسول العظيم: هو القرآن الكريم، وقد حمل دعوة التحدي به إلى الناس عامة، وإلى العرب خاصة، في أكثر من موضوع منه، ومع ثبوت هذا، فإن الوقوف على الجهة التي كان منها الإعجاز القرآني، أمر لم تلتق عنده الآراء، ولم يكن محل اتفاق بين الباحثين والناظرين في وجوه الإعجاز، في كل زمان ومكان.
فهناك أكثر من رأي، وأكثر من مذهب في الجهة أو الجهات التي كان بها القرآن مفحما، على ما سنرى في موضعه، وليس كذلك الشأن في معجزات الأنبياء... إذ كل معجزة كانت تنادي معلنة في وضوح عن صفتها التي أعجزت بها، وتشير في صراحة إلى الجهة التي جاء منها الإعجاز، فيعلم الناي لوقتهم ماذا في المعجزة من دلائل الإعجاز، وماذا فيها من القوة القاهرة المعجزة التي لا يستطيعون القيام لها، والجري معها.
وماذا يبحث الناس في عصا موسى عليه السلام مثلا؟ إنها مجرد عصا... لا تختلف في مرأى العين عن أي عصا أخرى... ليس فيها أجهزة، ولا عدد، ولا أي خروج عن صفات العصي التي في أدي الناس... ولكنها في يد موسى تنقلب إلى ثعبان مبين يلقف ما يأفكون.
وليس في يد موسى غير ما في أيدي الناس... لحم ودم وعظم وعصب وعروق، لا تختلف في شيء أبدا عن الأيدي التي تحيا في أجساد الناس وتعمل لهم.
إذن فهناك قدرة لا ترى... هي قوة الله... التي تمد موسى بهذه المعجزات، وليست يده أو عصاه إلا أداة تحمل هذه المعجزة أو تلك.
كذلك معجزة عيسى عليه السلام ... يدعو الميت فيحيا، ويمس الأكمه والأبرص فيبرأ... وليس في صوته الذي يدعو به شيء يخالف مألوف الأصوات المعروفة للناس... إنه مجرد كلمة تنطلق من فم، فإذا هي حياة، وإذا روح تسري في موات فتبعثه من مرقده.