فهؤلاء -في الحقيقة- أتباع الحجاوي وابن النجار لا أتباع الإمام أحمد. وكذلك متأخرو الشافعية هم -في الحقيقة- أتباع ابن حجر الهيتمي صاحب "التحفة"، وأضرابه من شراح "المنهاج"، فما خالف ذلك من نصوص الشافعي لا يعبؤون به شيئا.
وكذلك متأخرو المالكية هم -في الحقيقة- أتباع خليل، فلا يعبأون بما خالف مختصر خليل شيئا، ولو وجدوا حديثا ثابتا في الصحيحين لم يعملوا به إذا خالف المذهب، وقالوا: الإمام الفلاني أعلم منا بهذا الحديث {فَتَقَطَّعُوا أَمْرَهُمْ بَيْنَهُمْ زُبُراً كُلُّ حِزْبٍ بِمَا لَدَيْهِمْ فَرِحُونَ} ١.
فكل أهل مذهب اعتمدوا على كتب متأخريهم، فلا يرجعون إلا إليها، ولا يعتمدون إلا عليها.
وأما كتب الحديث -كالأمهات الست وغيرها من كتب الحديث وشروحها، وكتب الفقه الكبار، التي يذكر فيها خلاف الأئمة وأقوال الصحابة والتابعين- فهي عندهم مهجورة، بل هي في الخزانة مسطورة، للتبرك بها لا للعمل. ويعتذرون بأنهم قاصرون عن معرفتها؛ فالأخذ بها وظيفة المجتهدين، والاجتهاد قد انطوى بساطه من أزمنة متطاولة، ولم يبقَ إلا التقليد، والمقلِّد يأخذ بقول إمامه، ولا ينظر إلى دليلِه وتعليلِه.
ولم يميزوا بين المجتهد المطلق -الذي قد اجتمعت فيه شروط الاجتهاد، فهو يستقل بإدراك الأحكام الشرعية من الأدلة الشرعية من غير تقليد ولا تقييد- وبين المجتهد في مذهب إمامه، أو في مذهب الأئمة الأربعة من غير خروج عنها. فهو ملتزم لمذهب إمام من الأئمة، وينظر في كتب الخلاف، ويمعن النظر في الأدلة، فإذا رأى الدليل بخلاف مذهبه قلَّد الإمام الذي قد أخذ بالدليل، فهو اجتهاد مشوب بالتقليد، فينظر إلى ما اتفقوا عليه ويأخذ به، فإن اختلفوا نظر في الأدلة، فإن وجد مع أحدهم دليلا أخذ بقوله، فإن لم يجد في المسألة