دليلا من الجانبين أخذ بما عليه الجمهور، فإن لم يجد ذلك، بل قوي الخلاف عنده من الجانبين التزم قول إمامه إذا لم يترجح عنده خلافه.
فأكثر المقلدين لا يميزون بين المجتهد المستقل من غيره، وجعلوهما نوعا واحدا، وهذا غلط واضح؛ فإن من كان قاصرا في العلم لا يستقل بأخذ الأحكام من الأدلة، بل يسأل أهل العلم، كما نص عليه الإمام أحمد رحمه الله- في رواية ابنه عبد الله، وقد ذكرناه فيما تقدم.
الاجتهاد المقيد بمذاهب الأئمة وتوخي الحق بما دل عليه الدليل
وأما الاجتهاد المقيد بمذاهب الأئمة وتوخي الحق بما دل عليه الدليل وبما عليه الجمهور، فهذا هو الذي لا ينبغي العدول عنه، وهو الذي ذكره صاحب "الإفصاح".
لزوم التمذهب بمذهب بعينه
وأما لزوم التمذهب بمذهب بعينه؛ بحيث لا يخرج عنه وإن خالف نص الكتاب أو السنة، فهذا مذموم غير ممدوح، وقد ذمه صاحب "الإفصاح" كما تقدم ذكره، بل قد ذمه الأئمة رضي الله عنهم.
قال الشافعي -رحمه الله-: طالب العلم بلا حجة كحاطب ليل يحمل حزمة حطب، وفيها أفعى تلدغه، وهو لا يدري.
وقال أبو حنيفة وأبو يوسف: لا يحل لأحد أن يقول بقولنا حتى يعلم من أين قلناه.
وقد صرح مالك بأن من ترك قول عمر بن الخطاب لقول إبراهيم النخعي أنه يستتاب، فكيف بمن ترك قول رسول الله صلى الله عليه وسلم لقول من هو دون إبراهيم أو مثله؟!
فقال جعفر الفريابي: حدثني أحمد بن إبراهيم الدورقي، حدثني الهيثم ابن جميل (قال) : قلت لمالك بن أنس: يا أبا عبد الله، إن عندنا قوما وضعوا كتابا يقول أحدهم: حدثنا فلان عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه- بكذا وكذا، وفلان عن إبراهيم بكذا. ويأخذ بقول إبراهيم، قال مالك: وصح عندهم قول عمر؟ قلت: