يعرفوا! مع أنهم تركوا آثاراً أشبه بالموسوعات، مثل التبريزي صاحب (مشكاة المصابيح) والخزرجي صاحب (خلاصة تذهيب تهذيب الكمال) . ومنهم من كانت آثارهم الحجر الأساس في العلم، فما من طالب علم إلاّ وقرأ كتابه أو حفظه، ومؤلفه مغمور أو غير معروف الاسم!! مثل (متن الآجرومية) في علم النحو، و (متن البناء والأساس) في علم الصرف.
والآجري من هؤلاء المغمورين إذ لم يتداول ذكره إلاّ بنسبته (الآجري) مقروناً باسم شيخه الإمام أبي داود.
وإن اعتماد الأئمة الحفاظ على نقوله اعتماداً كبيراً يدل على رفيع رتبته عندهم، وقد قال شيخ حفاظ عصره أبو الحجاج المزي في مقدمة كتابه (تهذيب الكمال) : (وما لم يذكر إسناده فيما بيننا وبين قائله: فما كان من ذلك بصيغة الجزم فهو ما لا نعلم بإسناده عن قائله المحكي ذلك عنه بأساً) وتابعه على هذا المنهج والشرط الحافظ ابن حجر في (تهذيب التهذيب) .
وقد أورد المزي وابن حجر كلاهما أقوال أبي داود في الجرح والتعديل بصيغة الجزم من طريق الآجري في أكثر من سبعمائة موضع - كما أحصاه محقق الكتاب - وهذا هو شرطهما، فلا أدل من ذلك على علو رتبته وكمال ثقته وهما الحافظان الناقدان.
ومن المعلوم إن أوسع كتب الجرح والتعديل تداولاً (تهذيب التهذيب) للحافظ ابن حجر، وأصله (تهذيب الكمال) للمزي الذي بدئ بطبعه من قريب، وهذان الكتابان الضخمان يجد فيهما القارئ كثرة النقول عن كتابنا هذا، كثرة تزيد على سبعمائة نقل، كما تقدم.
ومن هنا تتجلّى أهمية نشر الكتاب وإخراجه إلى الناس، باعتباره أصلاً ومرجعاً لكثير من الكتب المتداولة، ولا سيما إذا كان الكتاب المتداول غير محقق ولا مخرج إخراجاً دقيقاً، كما هو حال (تهذيب التهذيب) فيكون من الضروري الرجوع إلى مصادره التي يستقى منها للتثبت من صحّة النصّ.