للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ص:  >  >>

والحكمة، وقد فسر أهل العلم والإيمان الحكمة بأنها سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم، ثبت ذلك عن قتادة، وروي نحوه عن أبي مالك، ومقاتل بن حيان، ويحيى بن أبي كثير (١) .

قال أبو عبد الله محمد بن إدريس الشافعي: " فذكر الله الكتاب وهو القرآن، وذكر الحكمة فسمعت من أرضى من أهل العلم بالقرآن يقول: الحكمة سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهذا يشبه ما قال، والله أعلم؛ لأن القرآن ذُكِرَ وأُتْبِعَتْهُ الحكمةُ، فَذَكَرَ الله مَنَّه على خلقه بتعليمهم الكتاب والحكمة، فلم يَجُزْ – والله أعلم – أن يقال هاهنا إلا سنة رسوله صلى الله عليه وسلم؛ وذلك أنها مقرونة مع كتاب الله " (٢) .

وقال أبو جعفر محمد بن جرير الطبري: "قد تأولت جماعة من أهل التأويل من الصحابة رضوان الله عليهم والتابعين (الحكمة) في قول الله تعالى ذكره: {يُؤْتِي الْحِكْمَةَ مَنْ يَشَاءُ وَمَنْ يُؤْتَ الْحِكْمَةَ فَقَدْ أُوتِيَ خَيْراً كَثِيراً} (البقرة: ٢٦٩) . أنها القرآن، وتأولت (الحكمة) في قوله تعالى: {وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ} (آل عمران: ١٦٤) . أنها السنن التي سنها رسول الله بوحي من الله جل ثناؤه إليه، وكلا التأويلين في موضعه صحيح؛ وذلك أن القرآن حكمة، أحكم الله عز ذكره فيه لعباده حلاله وحرامه، وبين لهم فيه أمره ونهيه، وفصَّل لهم فيه شرائعه، فهو كما وصف به ربنا تبارك وتعالى بقوله: {وَلَقَدْ جَاءَهُمْ مِنَ الْأَنْبَاءِ مَا فِيهِ مُزْدَجَرٌ حِكْمَةٌ بَالِغَةٌ} (القمر: ٤-٥) ، وكذلك سنن رسول الله صلى الله عليه وسلم التي سنها لأمته عن وحي الله جل ثناؤه إليه


(١) تفسير الطبري رقم ٢٠٧٨، وتفسير ابن أبي حاتم ١٨٠٧-١٨١٠.
(٢) الرسالة ٧٨.

<<  <   >  >>