للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ص:  >  >>

ومثال التقرير: قوله صلى الله عليه وسلّم للجارية: "أين الله؟ " قالت: في السماء١. فأقرّها على ذلك، وهذا مرفوع من التقرير.

وهل ما فُعل في وقته، أو قيل في وقته، يكون مرفوعاً؟

نقول: إن علم به فهو مرفوع؛ لأنه يكون قد أقر ذلك، وإن لم يعلم به فليس بمرفوع؛ لأنه لم يُضف إليه، ولكنه حُجة على القول الصحيح، ووجه كونه حُجة إقرار الله إيَّاه.

والدليل على هذا: أن الصحابة - رضوان الله عليهم - احتجوا بإقرار الله لهم في بعض ما يفعلونه، ولم ينكر عليهم ذلك، كما قال جابر - رضي الله عنه -: "كنا نعزل والقرآن ينزل"٢، وكان القرآن ينزل في عهد النبي صلى الله عليه وسلّم وكأنهم يقولون: لو كان هذا الفعل حراماً، لنهى الله عنه في كتابه، أو أوحى إلى رسوله صلى الله عليه وسلّم بذلك، لأن الله لا يقرّ الحرام.

والدليل على ذلك قوله تعالى: {يَسْتَخْفُونَ مِنَ النَّاسِ وَلاَ يَسْتَخْفُونَ مِنَ اللَّهِ وَهُوَ مَعَهُمْ إِذْ يُبَيِّتُونَ مَا لاَ يَرْضَى مِنَ الْقَوْلِ} [النساء: ١٠٨] . فهؤلاء الذين بيَّتوا ما لا يرضاه الله تعالى، من القول، قد استخفوا عن أعين الناس، ولم يعلم بهم الناس، ولكن لما كان فعلهم غير مرضي عند الله تعالى أنكر الله عليهم ذلك.

فدلّ هذا على أن ما فُعل في عهد النبي صلى الله عليه وسلّم ولم ينكره الله تعالى فإنه حُجة، لكننا لا نسمّيه مرفوعاً، وذلك لأنه لا تصحُّ نسبته إلى النبي صلى الله عليه وسلّم.


١ مسلم كتاب المساجد باب تحريم الكلام في الصلاة ٣٣, ٥٣٧.
٢ أخرجه البخاري كتاب النكاح باب: العزل ٥٢٠٨ ومسلم كتاب النكاح باب حكم العزل ١٣٦ – ١٤٤٠.

<<  <   >  >>