للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ص:  >  >>

والنصيرية، والجهمية، والحلولية، والمعطِّلة، والمجسِّمة، والمشبِّهة، والراوندية، والكلابية، والسليمية، وغيرهم من أهل البدع، فقد تجاذبوا فيها بأزِمَّة الضلال وبَان لي أن كثيراً منهم إنما قصدوا إبطال الشريعة المقدسة المحمدية، الظاهرة العلية على كل دين، وأن جمهورهم أوقع الناس في التشكيك في أصول دينهم؛ ولهذا قلَّ أن سمعتُ أو رأيتُ معرضاً عن الكتاب والسنة مقبلاً على مقالاتهم إلا تزندق، أو صار على غير يقين في دينه واعتقاده.

فلما رأيت الأمر على ذلك بَانَ لي أنه يجب على كل من يقدر دفع شبههم وأباطيلهم، وقطع حجتهم وأضاليلهم أن يبذل جهده ليكشف رذائلهم وزيف دلائلهم ذباً عن الملة الحنيفية والسنة الصحيحة الجلية.

ولا ـ والله ـ ما رأيتُ فيهم أحداً ممن صنّف في هذا الشأن وادّعى علو المقام إلا وقد ساعد بمضمون كلامه على هدم قواعد دين الإسلام.

وسبب ذلك: إعراضه عن الحق الواضح المبين، وعن ما جاءت به الرسل الكرام عن رب العالمين، واتباعه طرق الفلسفة وفي الاصطلاحات التي سموها بزعمهم: حكميات وعقليات وإنما هي: جهالات وضلالات، وكونه التزمها معرضاً عن غيرها أصلاً ورأساً، فغلبت عليه حتى غطت على عقله السليم، فتخبط حتى خبط فيها عشواء، ولم يفرق بين الحق والباطل وإلا فالله أعظم لطفاً بعباده ألا يجعل لهم عقلاً يقبل الحق ويثبته، ويبطل الباطل وينفيه، لكن عدم التوفيق وغلبة الهوى أوقع من أوقع في الضلال، وقد جعل الله العقل السليم من الشوائب ميزاناً يزن به العبد الواردات، فيفرق به بين ما هو من قبيل الحق، وما هو من قبيل الباطل.

ولم يبعث الله الرسل إلا إلى ذوي العقل، ولم يقع التكليف إلا مع وجوده، فكيف يقال: إنه مخالف لبعض ما جاءت به الرسل الكرام عن الله تعالى؟.

هذا باطل قطعاً يشهد له كل عقل سليم، لكن {وَمَنْ لَمْ يَجْعَلِ اللَّهُ لَهُ نُوراً فَمَا لَهُ مِنْ نُورٍ} [النور: ٤.] .

<<  <   >  >>