وَمَسَاكِنُ تَرْضَوْنَهَا أحَبَّ إِلَيْكُمْ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ وَجِهَادٍ فِي سَبِيلِهِ فَتَرَبَّصُوا حَتَّى يَأْتِيَ اللَّهُ بِأمْرِهِ} [التوبة: ٢٤] ، فهذا كله مما أمر الله به ورسوله.
• وأما الفناء الثاني: وهو الذي يذكره بعض الصوفية، وهو أن يفنى عن شهود ما سوى الله تعالى، فيفنى بمعبوده عن عبادته، وبمذكوره عن ذكره، وبمعروفه عن معرفته، بحيث قد يغيب عن شعوره بنفسه وبما سوى الله؛ فهذا حالٌ ناقص، قد يعرض لبعض السالكين، وليس هو من لوازم طريق الله، ولهذا لم يعرض مثل هذا للنبي صلى الله عليه وسلم والسابقين الأولين.
ومن جعل هذا نهاية السالكين فهو ضالٌّ ضلالاً مبيناً، وكذلك من جعله من لوازم طريق الله فهو مخطئ، بل هو من عوارض طريق الله التي تعرض لبعض الناس دون بعض، ليس هو من اللوازم التي تحصل لكل سالك.
• وأما الثالث: فهو الفناء عن وجود السوى، بحيث يرى أن وجود المخلوق هو عين وجود الخالق، وأن الوجود واحد بالعين، فهذا قول أهل الإلحاد والاتحاد، الذي هم من أضلّ العباد. وأما مخالفتهم لضرورة العقل والقياس، فإن الواحد من هؤلاء لا يمكنه أن يطرد قوله، فإنه إذا كان مشاهداً للقدر من غير تمييز بين المأمور والمحظور، فعومل بموجب ذلك؛ مثل أن يُضرب ويُجاع حتى يبتلى بعظيم الأوصاب والأوجاع فإن لام من فعل ذلك به وعابه فقد نقض قوله، وخرج عن أصل مذهب، وقيل له: هذا الذي فعله مقضي مقدور، فخلق الله وقدره ومشيئته متناول لك وله، وهو يعمّكما، فإن كان القدر حجة لك فهو حجة لهذا، وإلا فليس بحجة لا لك ولا له، فقد تبين بضرورة العقل فساد قول من ينظر إلى القدر، ويعرض عن الأمر والنهي.
والمؤمن مأمور بأن يفعل المأمور، وبترك المحظور، ويصبر على المقدور، كما قال تعالى:{وَإِنْ تَصْبِرُوا وَتَتَّقُوا لا يَضُرُّكُمْ كَيْدُهُمْ شَيْئًا}[آل عنران: ١٢٠] ، وقال تعالى في قصة يوسف:{إِنَّهُ مَنْ يَتَّقِ وَيَصْبِرْ فَإِنَّ اللَّهَ لا يُضِيعُ أجْرَ الْمُحْسِنِينَ}[يوسف:٩٠] فالتقوى فعل ما أمر الله به، وترك ما نهى [الله] عنه، ولهذا قال تعالى: {فَاصْبِرْ إِنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ