للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ص:  >  >>

البحث عن كيفية الذات وكيفية الصفات، ومن توقف في هذا فليعلم أنه إذا كان حجب عن كيفية نفسه مع وجودها، وعن كيفية إدراك ما يدرك به فهو على إدراك غيره أعجز، وغاية علم العالم أن يقطع بوجود فاعل لهذه المصنوعات منزه عن الشبيه، مقدَّس عن النظير، متصف بصفات الكمال.

ثم متى ثبت النقل عنه بشيء من أوصافه وأسمائه قبلناه واعتقدناه وسكتنا عما عداه، كما هو طريق السلف، وما عداه لا يأمن صاحبه من الزلل، ويكفي في الردع عن الخوض في طرق المتكلمين ما ثبت عن الأئمة المتقدمين كعمر بن عبد العزيز، ومالك بن أنس، والشافعي، وقد قطع بعض الأئمة بأن الصحابة لم يخوضوا في الجوهر والعرض وما يتعلق بذلك من مباحث المتكلمين، فمن رغب عن طريقهم فكفاه ضلالاً.

قال: وأفضى الكلام بكثير من أهله إلى الشك، وببعضهم إلى الإلحاد، وببعضهم إلى التهاون بوظائف العبادات، وسبب ذلك إعراضهم عن نصوص الشارع وتطلبهم حقائق الأمور من غيره، حتى جاء عن إمام الحرمين أنه قال: "ركبت البحر الأعظم، وغضتُ في كل شيء نهى عنه أهل العلم في طلب الحق فراراً من التقليد، والآن فقد رجعت واعتقدت مذهب أهل السلف".

هذا كلامه أو معناه، وعنه أنه قال عند موته: "يا أصحابنا، لا تشتغلوا بالكلام، فلو عرفت أنه يبلغ بي ما بلغت ما تشاغلت به" إلى أن قال القرطبي: ولو لم يكن في الكلام إلا مسألتان هما من مبادئه لكان حقيقاً بالذم:

إحداهما: قول بعضهم: إن أول واجب الشك؛ إذ هو اللازم عن وجوب النظر أو القصد إلى النظر، وإليه أشار الإمام بقوله: ركبتُ البحر.

ثانيتهما: قول جماعة منهم: إن من لم يعرف الله بالطرق التي رتبوها والأبحاث التي حرروها لم يصح إيمانه، حتى لقد أورد على بعضه أن هذا يلزم منه تكفير أبيك وأسلافك وجيرانك، فقال: لا تشنع عليَّ بكثرة أهل النار، قال: وقد ردّ بعض من لم يقل بهما على من قال بهما بطريق من الرد النظري وهو خطأ منه، فإن القائل بالمسألتين كافر شرعاً، لجعله الشك في الله واجباً، ومعظم المسلمين كفاراً حتى يدخل في عموم كلام السلف من

<<  <   >  >>