أمره , فكذلك قولوا: جاء ثواب القرآن , لا أنه نفسه هو الجائي , فإن التأويل هنا ألزم , فإن المراد هنا الإخبار بثواب قارئ القرآن، وثوابه عمل له لم يقصد به الإخبار عن نفس القرآن.
فإذا كان الرب قد أخبر بمجيء نفسه ثم تأولتم ذلك بأمره فإذا أخبر بمجيء قراءة القرآن فلأن تتأولوا ذلك بمجيء ثوابه بطريق الأولى والأحرى.
وإذا قاله لهم على سبيل الإلزام لم يلزم أن يكون موافقًا لهم عليه، وهو لا يحتاج إلى أن يلتزم هذا. فإن هذا الحديث له نظائر كثيرة فيمجيء أعمال العباد، والمراد مجيء قراءة القارئ التي هي عمله، وأعمال العباد مخلوقة، وثوابها مخلوق.
ولهذا قال أحمد , وغيره من السلف: إنه يجيء ثواب القرآن , والثواب إنما يقع على أعمال العباد لا على صفات الرب وأفعاله.
وذهب طائفة ثالثة من أصحاب أحمد إلى أن أحمد قال هذا: ذلك الوقت، وجعلوا هذا رواية عنه، ثم من يذهب منهم إلى التأويل ـ كابن عقيل وابن الجوزي وغيرهما ـ يجعلون هذه عمدتهم؛ حتى يذكرها أبو الفرج بن الجوزي في تفسيره، ولا يذكر من كلام أحمد والسلف ما يناقضها.
ولا ريب أن المنقول المتواتر عن أحمد يناقض هذه الرواية، ويبين أنه لا يقول: إن الرب يجيء ويأتي وينزل أمره، بل هو ينكر على من يقول ذلك.
والذين ذكروا عن أحمد في تأويل النزول ونحوه من [الأفعال] لهم قولان:
منهم من يتأول ذلك بالقصد، كما تأول بعضهم قوله: {ثُمَّ اسْتَوَى إِلَى السَّمَاء} [فصلت: ١١] بالقصد، وهذا هو الذي ذكره ابن الزاغوني.
ومنهم من يتأول ذلك بمجيء أمره ونزول أمره، وهو المذكور في رواية حنبل.
وطائفة من أصحاب أحمد وغيرهم ـ كالقاضي أبي يعلى وغيره ممن يوافق أبا الحسن الأشعري ـ على أن [الفعل] هو المفعول؛ وأنه لا يقوم بذاته فعل اختياري. يقولون: معنى النزول والاستواء وغير ذلك: أفعال يفعلها الرب في المخلوقات. وهذا هو المنصوص عن أبي الحسن الأشعري وغيره،