للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

ونحو ذلك من الحديث الذي فيه إتيان القرآن ومجيئه. وقالوا له: لا يوصف بالإتيان والمجيء إلا مخلوق؛ فعارضهم أحمد بقوله: وأحمد وغيره من أئمة السنة ـ فسروا هذا الحديث بأن المراد به مجيء ثواب البقرة وآل عمران، كما ذكر مثل ذلك من مجيء الأعمال في القبر وفي القيامة , والمراد منه ثواب الأعمال.

والنبي صلى الله عليه وسلم قال: " اقرءوا البقرة وآل عمران، فإنهما يجيئان يوم القيامة كأنهما غَيَايَتان، أو غَمامتان، أو فِرْقان من طير صَوَافَّ , يحاجان عن أصحابهما" وهذا الحديث في الصحيح: فلما أمر بقراءتهما وذكر مجيئهما يحاجان عن القارئ، علم أنه أراد بذلك قراءة القارئ لهما وهو عمله، وأخبر بمجيء عمله الذي هو التلاوة لهما في الصورة التي ذكرها، كما أخبر بمجيء غير ذلك من الأعمال.

وهذا فيه كلام مبسوط في غير هذا الموضع: هل يقلب الله العمل جوهرًا قائمًا بنفسه أم الأعراض لا تنقلب جواهر؟ وكذلك قوله: "يؤتى بالموت في صورة كَبْشٍ أمْلَحَ " [أي بياضه أكثر من سواده] .

والمقصود هنا: أن النبي صلى الله عليه وسلم لما أخبر بمجيء القرآن في هذه الصورة أراد به الإخبار عن قراءة القارئ التي هي عمله , وذلك هو ثواب قارئ القرآن , ليس المراد به أن نفس كلامه الذي تكلم به , وهو قائم بنفسه يتصور صورة غمامتين. فلم يكن في هذا حجة للجهمية على ما ادعوه.

ثم إن الإمام أحمد في المحنة عارضهم بقوله تعالى: {هَلْ يَنظُرُونَ إِلاَّ أَن يَأْتِيَهُمُ اللهُ فِي ظُلَلٍ مِّنَ الْغَمَامِ} [البقرة: ٢١٠] . قال: قيل: إنما يأتي أمره هكذا نقل حنبل , ولم ينقل هذا غيره ممن نقل مناظرته في [المحنة] كعبد الله بن أحمد , وصالح بن أحمد، والمروزي وغيره، فاختلف أصحاب أحمد في ذلك.

فمنهم من قال: غلط حنبل، لم يقل أحمد هذا. وقالوا: حنبل له غلطات معروفة وهذا منها , وهذه طريقة أبي إسحاق بن شاقلا.

ومنهم من قال: بل أحمد قال ذلك على سبيل الإلزام لهم. يقول: إذا كان أخبر عن نفسه بالمجيء والإتيان ولم يكن ذلك دليلًا على أنه مخلوق، بل تأولتم ذلك على أنه جاء

<<  <   >  >>