وقد تأول قوم ـ من المنتسبين إلى السنة والحديث ـ حديث النزول ـ وما كان نحوه من النصوص التي فيها فعل الرب اللازم؛ كالإتيان والمجيء , والهبوط ونحو ذلك , ونقلوا في ذلك قولا لمالك، ولأحمد بن حنبل حتى ذكر المتأخرون من أصحاب أحمد ـ كأبي الحسن بن الزاغوني وغيره ـ عن أحمد في تأويل هذا الباب روايتين، بخلاف غير هذا الباب , فإنه لم ينقل عنه في تأويله نزاعًا.
وطرد ابن عقيل الروايتين في [التأويل] في غير هذه الصفة، وهو تارة يوجب التأويل، وتارة يحرمه، وتارة يسوغه.
والتأويل عنده تارة للصفات الخبرية مطلقًا ويسميها الإضافات ـ لا الصفات ـ موافقة لمن أخذ ذلك عنه من المعتزلة , كأبي علي بن الوليد , وأبي القاسم بن التَّبَّان ـ وكانا من أصحاب أبي الحسين البصري ـ وأبو الفرج بن الجوزي مع ابن عقيل على ذلك في بعض كتبه، مثل [كف التشبيه بكف التنزيه] ، ويخالفه في بعض كتبه.
والأكثرون من أصحاب أحمد لم يثبتوا عنه نزاعًا في التأويل , لا في هذه الصفات ولا في غيرها.
وأما ما حكاه أبو حامد الغزالي عن بعض الحنبلية، أن أحمد لم يتأول إلا [ثلاثة أشياء] : " الحجر الأسود يمين الله في الأرض "، و " قلوب العباد بين إصبعين من أصابع الرحمن "، و " إني أجد نفس الرحمن من قبل اليمن ": فهذه الحكاية كذب على أحمد، لم ينقلها أحد عنه بإسناد , ولا يعرف أحد من أصحابه نقل ذلك عنه. وهذا الحنبلي الذي ذكر عنه أبو حامد مجهول لا يعرف، لا علمه بما قال، ولا صدقه فيما قال.
وأيضًا، وقع النزاع بين أصحابه: هل اختلف اجتهاده في تأويل المجيء والإتيان، والنزول ونحو ذلك؟ لأن حنبلًا نقل عنه في [المحنة] أنهم لما احتجوا عليه بقول النبي صلى الله عليه وسلم: " تجيء البقرة، وآل عمران، كأنهما غَمَامَتَان، أو غَيَايَتَان، أو فِرْقَان من طَيْرٍ صَوَافَّ "