مُشْفِقُونَ} [الأنبياء: ٢٦ـ ٢٨] ، فزعموا أن قوله ـ سبحانه ـ ليس تنزيهًا له عن اتخاذ الولد ـ بناء على أصلهم الفاسد، وهو أن الرب لا ينزه عن فعل من الأفعال ـ بل يجوز عليه كل ما يقدر عليه.
وكذلك جعلوا قول الأوزاعي وغيره: أن النزول ليس بفعل يشاؤه الله؛ لأنه عندهم من صفات الذات لا من صفات الفعل، بناء على أصلهم، وأن الأفعال الاختيارية لا تقوم بذات الله؛ فلو كان صفة فعل لزم ألا يقوم بذاته، بل يكون منفصلًا عنه.
وهؤلاء يقولون: النزول من صفات الذات، ومع هذا فهو عندهم أزلي كما يقولون مثل ذلك في الاستواء، والمجيء، والإتيان، والرضا، والغضب، والفرح، والضحك، وسائر ذلك: إن هذا جميعه صفات ذاتية لله، وإنها قديمة أزلية، لا تتعلق بمشيئته واختياره؛ بناء على أصلهم الذي وافقوا فيه ابن كلاب، وهو أن الرب لا يقوم بذاته ما يتعلق بمشيئته واختياره، بل من هؤلاء من يقول: إنه لا يتكلم بمشيئته وقدرته، ولا يقوم به فعل يحدث بمشيئته واختياره.
بل من هؤلاء من يقول: إن الفعل قديم أزلي، وإنه مع ذلك يتعلق بمشيئته وقدرته، وأكثر العقلاء يقولون: فساد هذا معلوم بضرورة العقل؛ كما قالوا مثل ذلك في قول من قال من المتفلسفة: إن الفلك قديم أزلي، وأنه أبدعه بقدرته ومشيئته.
وجمهور العقلاء يقولون: الشيء المعين من الأعيان والصفات إذا كان حاصلًا بمشيئة الرب وقدرته لم يكن أزليًا.
فلما كان من أصل ابن كلاب ومن وافقه، كالحارث المحاسبي، وأبي العباس القلانسي، وأبي الحسن الأشعري، والقضاة أبي بكر بن الطيب، وأبي يعلى بن الفراء، وأبي جعفر السماني، وأبي الوليد الباجي وغيرهم من الأعيان، كأبي المعالي الجويني وأمثاله؛ وأبي الوفاء بن عقيل، وأبي الحسن بن الزاغوني وأمثالهما: أن الرب لا يقوم به ما يكون بمشيئته وقدرته، ويعبرون عن هذا بأنه لا تحله الحوادث، ووافقوا في ذلك للجهم ابن صفوان، وأتباعه من الجهمية والمعتزلة، صاروا فيما ورد في الكتاب والسنة من صفات الرب، على أحد قولين:
إما أن يجعلوها كلها مخلوقات منفصلة عنه. فيقولون: كلام الله مخلوق بائن عنه، لا يقوم به