للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

لهم: إن السلطان إذا أمر غيره أن ينادي أو يكلم غيره أو يخاطبه؛ فإن المنادي ينادي: معاشر الناس، أمر السلطان بكذا، أو رسم بكذا، لا يقول: إني أنا أمرتكم بذلك.

ولو تكلم بذلك لأهانه الناس ولقالوا: من أنت حتى تأمرنا؟ ! والمنادي كل ليلة يقول: " من يدعوني فأستجيب له؟ من يسألني فأعطيه؟ من يستغفرني فأغفر له؟ " كما في ندائه لموسى عليه السلام: {إِنَّنِي أَنَا اللَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنَا فَاعْبُدْنِي وَأَقِمِ الصَّلَاةَ لِذِكْرِي} [طه: ١٤] ، وقال: {إِنِّي أَنَا اللَّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ} [القصص: ٣٠] . ومعلوم أن الله لو أمر ملكًا أن ينادي كل ليلة أو ينادي موسى لم يقل الملك: " من يدعوني فأستجيب له؟ من يسألني فأعطيه؟ من يستغفرني فأغفر له؟ " ولا يقول: لا أسأل عن عبادي غيري.

وأما قول المعترض: إن الليل يختلف باختلاف البلدان والفصول في التقدم والتأخر والطول والقصر.

فيقال له: الجواب عن هذا كالجواب عن قولك: هل يخلو منه العرش، أو لا يخلو منه؟ وذلك أنه إذا جاز أنه ينزل ولا يخلو منه العرش، فتقدم النزول وتأخره وطوله وقصره كذلك، بناء على أن هذا نزول لا يقاس بنزول الخلق. وجماع الأمر أن الجواب عن مثل هذا السؤال يكون بأنواع:

أحدها: أن يبين أن المنازع النافي يلزمه من اللوازم ما هو أبعد عن المعقول الذي يعترف به مما يلزم المثبت، فإن كان مما يحتج به من المعقول حجة صحيحة، لزم بطلان النفي، فيلزم الإثبات؛ إذ الحق لا يخلو عن النقيضين. وإن كان باطلًا، لم يبطل به الإثبات، فلا يعارض ما ثبت بالفطرة العقلية والشرعة النبوية، وهذا كما إذا قال: لو كان فوق العرش لكان جسمًا، وذلك ممتنع، فيقالله: للناس هنا ثلاثة أقوال:

<<  <   >  >>