للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

تعرف أوزان الشعر من قبل، فالواقع أنهم كانوا قبل وضع علم العروض على علم بأوزان الشعر العربي وبحوره على تباينها، وإن لم تكن تعرفها بالأسماء التي وضعها الخليل لها فيما بعد. وما أشبه علمها بذلك بعلمها بالإعراب في الكلام حين كانوا عن سليقة يرفعون أو ينصبون أو يجرون ما حقه الرفع أو النصب أو الجر دون علم بما وضعه النحاة فيما بعد من مصطلحات الإعراب وقواعده.

كذلك كانوا بذوقهم وسيلقتهم يدركون ما يعتور الأوزان المختلفة من زحافات وعلل وإن لم يعطوها أسماء ومصطلحات خاصة كما فعل العروضيون.

وإذا كان الخليل بن أحمد غير مسبوق في وضع علم العروض، فإن أبا عمرو بن العلاء قد سبقه في الكلام عن القوافي وقواعدها ووضع لها أسماء ومصطلحات خاصة.

والرواة مختلفون بشأن الباعث الذي دعا الخليل إلى التفكير في علم العروض ووضع قواعده.

فمن قائل: إنه دعا بمكة أن يرزقه الله علمًا لم يسبقه إليه أحد ولا يؤخذ إلا عنه، فرجع من حجه، ففتح عليه بعلم العروض١.

ومن قائل: إن الدافع هو إشفاقه من اتجاه بعض شعراء عصره إلى نظم الشعر على أوزان لم يعرفها العرب ولم تسمع عنهم؛ ولهذا راح يقضي الساعات والأيام يوقع بأصابعه ويحركها حتى حصر أوزان الشعر العربي وضبط أحوال قوافيه.

ومن قائل: إنه وجد نفسه وهو بمكة يعيش في بيئة يشيع فيها الغناء فدفعه ذلك إلى التفكير في الوزن الشعري وما يمكن أن يخضع له من قواعد


١ تاريخ وفيات الأعيان: جـ١ ص ٢٤٣.

<<  <   >  >>