وتمييز الخبيث من الطيب، وقد شهد الجميع النتائج الطيبة المباركة لهذا العلم، وعلى رأسها رواية الأحاديث النبوية الشريفة غضّة نقية صافية كما صدرت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، إلى أن استقرت في مصادرها بعد ازدهار حركة التصنيف المنهجي للحديث، وظهور الكتب المتعددة من موطآت ومصنفات ومسانيد وجوامع ومستدركات ومستخرجات ومعاجم وأجزاء... اختار فيها أصحابها مناهج معينة في ترتيب الأحاديث، وشروطاً في التصحيح والتضعيف والقبول والرد.
ونظرا لأهمية علم الجرح والتعديل وتوقف التصحيح والتضعيف والقبول والرد عليه فقد أحببت المشاركة في ندوة «عناية المملكة العربية السعودية بالسنة والسيرة النبوية» بموضوع «عناية العلماء بالإسناد وعلم الجرح والتعديل وأثر ذلك في حفظ السنة» ؛ رجاء أن أميط اللثام عن تاريخ هذا العلم منذ بوادره الأولى، ومروراً بعناية العلماء بالإسناد ومطالبتهم به وبياناً لأهميته، ووصولاً عند مرحلة نشأة علم الجرح والتعديل علماً مستقلاً بذاته، وتطوره وظهور أعلامه الكبار ونقاده المشاهير، وما ألفوه من كتب وما وضعوه من ضوابط وقواعد.
وقد اقتضى مني ذلك وضع خطة لهذا الموضوع بدأتها بمقدمة في فضل السنة وفضل الاشتغال بها ومظاهر عناية المسلمين بها، انتقلت بعدها إلى الكلام على عناية المحدثين بالإسناد وبيان قيمته في حفظ السنة، ثم تعريف علم الجرح والتعديل لغة واصطلاحاً، ثم نشأته وتطوره، وخلصت بعد ذلك لذكر عدد من قواعده، ثم آثاره في ميادين وعلوم أخرى، ولما كان لعلماء الجرح والتعديل مؤلفات كثيرة في هذا الشأن فقد عُنيت ببيان ذلك فذكرت