حظيت السنة النبوية باهتمام منذ عهد الصحابة الكرام باعتبارها مصدرا تشريعيا للأحكام في العبادات والمعاملات وغيرهما، فكان حرص هؤلاء على أن لا يفوتهم حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم، وسمعوا من بعضهم بعضا حينما كان يفوتهم حضور المجالس النبوية. ولم يكن الأتباع أقل حرصاً من الصحابة على سماع الحديث النبوي فرحلوا إليهم ولازموهم وسمعوا منهم.
ونظرا لما جُبل عليه الإنسان من الوهم والنسيان والخطأ، وما يعتريه من حالات التغيير من النشاط والقوة إلى الضعف وكبر السن وما ينجم عن ذلك أحيانا من الذهول والنسيان، قام الصحابة وكذا كبار التابعين بنقد بعض المرويات وباستدراكات على بعض الصحابة الرواة أو التابعين عن طريق المعارضة بين الروايات المختلفة أو عرضها على القرآن الكريم أو المطالبة بالشهود ...
وقد بدأ ذلك في عهد مبكر جدا، ولعل أول نقل يثبت هذا الأمر هو الذي وصلنا من عهد الخليفة أبي بكر الصديق رضي الله عنه، فقد ذكر غير واحد (١) أن الجَدَّةَ جاءت إلى أبي بكر تلتمس ميراثها، فقال: ما أجد لك في كتاب الله شيئا، وما علمت أن رسول الله صلى الله عليه وسلم ذكر لك شيئا. ثم سأل الناس، فقام المغيرة فقال: حضرت رسول الله يعطيها السدس.
(١) انظر مثلا: الموطأ للإمام مالك في كتاب الفرائض باب ميراث الجدة. وسنن أبي داود كتاب الفرائض باب في الجدة. وجامع الترمذي كتاب الفرائض باب ميراث الجدة. وسنن ابن ماجه كتاب الفرائض ميراث الجدة. وانظر كذلك الكفاية للخطيب ص ٢٦ وتذكرة الحفاظ للذهبي ١/٢.