للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ص:  >  >>

أدب العرب من فنون جمالية عالية في التعبير، وقع مثله في القرآن على صورة أجملَ وآنَق، وقد فتحت المصنفات التي تركوها باب البحث البلاغي على مِصْراعَيْه، ووصلَتْ بالذوق البياني إلى كثير من الأصول التي تأسَّسَتْ عليها علوم المعاني والبيان والبديع (١) . يقول الدكتور بدوي طبانة (٢) : ((من النادر أن نجد أثراً من الآثار التي عرضت للبيان العربي خلا من الإشارة إلى القرآن ونظمه، وهذا يؤكِّد بُعْدَ أثر الدراسات القرآنية في نُمُوِّ الدراسات البيانية وتنوُّعها، وعدم انقطاع هذا التأثر في سائر العصور)) .

وعندما ازدهر التصنيف في علوم البلاغة كانت خدمة القرآن الكريم ماثلةً أمام العلماء الذين كانوا يَعُدُّون جهودهم مُنْصَبَّةً في هذا المجال، حتى إننا لا نكاد نجد كتاباً في البلاغة مقصوراً على مباحثها النظرية، وبعيداً عن خدمة القرآن (٣) ، فعبد الله بن المعتز مثلاً عندما شرع في البحث عن صنوف ((البديع)) وفنونه أشار إلى كثير من آيات القرآن، وكان يجعل الشاهد القرآني في مقدمة شواهده، وحين تكلَّم على ما سَمَّاه الجاحظ المذهب الكلامي قال (٤) : ((وهذا بابٌ ما أعلم أني وجدت في القرآن منه شيئاً، وهو يُنْسَبُ إلى التكلُّف)) .

وتُرْجِعُ معظم كتب البلاغة سبب تأليفها إلى إطْلاع الناس على مواطن أسرار البيان في القرآن، فالرمَّاني مثلاً يحصر البلاغة في أقسام عشرة هي:


(١) البيان العربي ٤٤.
(٢) المصدر نفسه ٧٥.
(٣) أثر القرآن في تطور النقد العربي ٢٢٥.
(٤) البديع ٥٣.

<<  <   >  >>