وقبيل عن النظير مُتَخَلِّص. فإذا شئتَ أن تعرف عظم شأنه فتأمَّلْ ما نقوله في هذا الفصل لامرئ القيس في أجود أشعاره، وما نبيِّن لك مِنْ عَواره على التفصيل، وذلك قوله:
الذين يتعصَّبون له ويدَّعُون محاسن الشعر يقولون: هذا من البديع لأنه وقف واستوقف، وبكى واستبكى، وذكر العهد والمنزل والحبيب، وتوجَّع واستوجع، كله في بيت وإنما بيَّنَّا هذا؛ لئلا يقع لك ذهابنا عن مواضع المحاسن إن كانت، ولا غفلتنا عن مواضع الصناعة إن وُجِدَتْ)) .
ثم يمضي الباقلاني في نقد قصيدة امرئ القيس التي هي من غُرَر شعره، ويُبَيِّن مواضع سَقْطه، وتخلُّفه عن الأسلوب القرآني ثم يقول (١) : ((فأمَّا نهج القرآن ونظمه وتأليفه ورصفه فإن العقول تتيه في جهته، وتحار في بحره، وتَضِلُّ دون وَصْفِه، ونحن نذكر لك في تفصيل هذا ما تستدلُّ به على الغرض، فلو لم يكن بين أيدي الباقلاني وأقرانه مثل هذه القصائد الشعرية لما استطاعوا أن يحققوا قاعدة ((وبضدها تتميز الأشياء)) ؛ وذلك لبيان روعة النظم القرآني وبلاغته، ومن هنا فإن عناية علماء العربية بالشعر عناية هادفة إلى تحقيق مقاصد كثيرة في مجال علوم العربية المتعددة.
وهذه الإفادة الرحبة من المادة الشعرية في سبيل الإحاطة بلغة القرآن مَهَّدَتْ الطريق لكثير من اللغويين للقيام برحلات علمية إلى البوادي لالتقاطها