للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ص:  >  >>

كما يجب من طرفٍ آخر تقوية عناية المشتغلين بعلوم القرآن بعلوم العربيّة؛ لأنّها ضرورةٌ لهم، ولأنّها تعين في تكوين حِسٍّ لُغَويّ تدرك به أسرار التعبير، ويفرق بين الأساليب، ولأنّها تقومُ مقام التكوين الفطريّ الّذي يعتمد على تلقِّي اللّغةِ عن البيئة، كما كان العرب يفعلون، وكما هي حال الجيل الأوّل الّذي تلقّى وبدأ درسَه بمعارف بسيطة، استحالت فيما بعدُ إلى علومٍ.

إنّ عودة دارسي القرآن وعلومه إلى اللغة العربية، نصوصاً وعلوماً ليست بدعاً، أبدعه عصرنا، بل دعوة مدويَّةٌ أرسلها الخليفة الراشد الثاني عمر الفاروق حين قال، وهو على المنبر عن قوله تعالى {أَوْ يَأْخُذَهُمْ عَلَى تَخَوُّفٍ} [النحل: ٤٧] فقال له رجلٌ من هذيل: التخوّف عندنا

التنقُّص، ثمّ أنشده:

تخوَّف الرَّحْل منها تامكاً قرِدا ... كما تخوّف عُودَ النّبعة السَّفِنُ

فقال عمر: أَيُّها النّاسُ، تمسَّكوا بديوان شعرِكم في جاهليّتكم، فإن فيه تفسير كتابكم " (١) .

هناك من يلحّ أن تكون علوم العربيّة في تنظيم التعليم الجامعيّ تابعةً لعلوم القرآن، ويعيبُ أن تكون مادّةٌ مثل القراءات من اهتمامات أقسام اللغة العربيّة، وما ذلك بعيبٍ، بل يعيب أن يكون للقراءات قسم في كلية اللغة العربيّة، والحق أن لا عيبَ في ذلك لشدّة اللحمة، والترابط بين النوعين: علوم القرآن وعلوم العربية. ولا يعني هذا تبعيّة علمٍ لعلم، فالأصل هو القرآن وعلومه، والعربيّة وعلومها إنّما هي خدمٌ للقرآن وعلومه. وقد تغلغلت علوم العربية في صلب علوم القرآن، من قراءةٍ وتفسير، حتّى إنّه ليعسُر على الدارس فَصْلُ تلك العلوم عن بعض.


(١) القاسمي، محاسن التأويل ١ / ١٠١.

<<  <   >  >>