وإمكاناته، وكان للعواصم العلمية الإسلامية: مكة، والمدينة، ودمشق، وبغداد، وقرطبة، والقاهرة، وفاس، وتونس وغيرها الحظ الأوفر من هذه المدارس، وقد خصصت لها أوقاف من العقارات والضياع والقرى بما يغني القائمين عليها، والدارسين فيها عن الحاجة، والانشغال بأمور المعاش.
في صدر الحديث عن هذا الجانب بالنسبة للحرمين الشريفين مكة والمدينة يتملك المرء الإعجاب والتقدير لعظم الأموال الثابتة والمنقولة والموقوفة المخصصة لهذه المدارس في بلاد الحرمين الشريفين، وخارجها في البلاد الإسلامية الأخرى.
يقول العلامة المؤرخ الأستاذ محمد عمر رفيع المكي، وشهادته في هذا الصدد عن رؤية ومشاهدة قائلاً:"ولنعد الآن نذكر ما وفق الله إليه المسلمين وملوكهم، وأولي الثراء منهم من بناء المدارس، والمساكن لطلبة العلم، والمجاورين بمكة، بل ولمن يَفِدُ من ممالكهم ليسكنوها زمن أدائهم للفريضة مجاناً، ولو أردنا استيعاب ذلك كله لطال بنا القول، ولكن سأذكر بعض ما شهدته قائماً من دور شيدت لطلبة العلم، ونزلٍ للحجاج، والمجاورين، وغير ذلك من أعمال البر والرعاية، وإني لأعتقد جازماً أن جميع ما كان ملتفاً حول المسجد من مبانٍ ودور كانت كلها أو جلها من الأوقاف التي خصصت للعناية بالعلم وطلبته"(١) .
وهذه الصورة من صور الاهتمام بالمدارس القرآنية في مكة المكرمة تماثلها تماماً بقية البلاد الإسلامية، ويمكن الاستشهاد على صحة هذا بما كتبه
(١) مكة المكرمة في القرن الرابع عشر الهجري، الطبعة الأولى، (مكة المكرمة: نادي مكة الثقافي، ١٤٠٤هـ/١٩٨٤م) ، ص٩٩.