أثبت التاريخ والتدوين العلمي أن القرآن الكريم محل عناية المسلمين حكاماً وأفراداً على المستويات والطبقات كافة. مظاهر هذا الاهتمام تتجلى في المؤسسات المختلفة التي تضع تعليم القرآن الكريم نصب عينيها، وجل اهتمامها. تكفل باستمرار هذه المؤسسات العلمية والدور القرآنية الأوقاف السخية من قبل أبناء الأمة الإسلامية بما يكفيها ويغنيها، ويضمن للقائمين عليها التفرغ لأداء رسالتها نحو القرآن الكريم، وأبناء الناشئة من المسلمين.
استمرت هذه الدور والمؤسسات في الازدهار والانتشار والتعدد، وكثرة الرواد، والإقبال عندما تولى شؤون إدارتها، واستثمار أوقافها، نظار أمناء، يقدرون مسؤولياتهم الدينية والاجتماعية، وتراجعت، وتدهورت عندما تولاها الطامعون الانتهازيون، ومن ليس لها بكفء فتراجعت نشاطاتها، وقلَّ روادها، حتى أدى الأمر في بعضها إلى محو معالمها والتسلط على انتزاعها، وتحويلها من أوقاف إلى تملكات شخصية.
كانت الأوقاف الخيرية عصب الحياة العلمية، وبخاصة الدراسات القرآنية في المقام الأول، تليها الدراسات الفقهية والشرعية بصفة عامة، فكان لها الأثر الكبير في الحفظ على القرآن الكريم مكتوباً في الصحف، ومحفوظاً في صدور القراء، سليماً من التغيير والتبديل، تقرؤه الأجيال الحاضرة والمستقبلة غضاً كما أنزل على خاتم الأنبياء والمرسلين منذ أربعة عشر قرناً، لا يستطيع أحد أن يبدل فيه حرفاً واحداً فضلاً عن جملة، أو آية.