المرأة تنذر في بعض ما تطلب لئن أصابته لتحطبن في نار إبراهيم وكان الرجل يوصي شراء الحطب وكانت المرأة تغزل وتشتري الحطب بغزلها احتساباً في دينها، قال ابن إسحاق: كانوا يجمعون الحطب شهراً فأشعلوا في كل ناحية من الحطب ناراً فاشتعلت واشتدت حتى إن الطير لتحترق من شدة وهجها فأوقدوا عليها سبعة أيام، ثم وضعوا إبراهيم في المنجنيق فلما رموه فيها أتاه جبريل فقال: يا إبراهيم ألك حاجة؟ قال: أما إليك فلا، قال: فسل ربك فقال إبراهيم: "حسبي من سؤالي علمه بحالي"١. فلما علم الله أنه رقى في الإخلاص منزلته الأعلى وتوكل عليه حق التوكل وتبرأ من الحول والقوة وقطع العلائق عما سواه قال الله تعالى:{قُلْنَا يَا نَارُ كُونِي بَرْداً وَسَلاماً عَلَى إِبْرَاهِيمَ} . [الأنبياء: ٦٩] . وذلك لما دعا الله تعالى إبراهيم من قلب حاضر خاشع عارف بالله خائف منه فارغ عما سواه مقبل على الله بقلبه وقالبه قال:{وَاجْنُبْنِي وَبَنِيَّ أَنْ نَعْبُدَ الْأَصْنَامَ} . [إبراهيم: ٣٥] . وقال هو وإسماعيل ولده {وَاجْعَلْنَا مُسْلِمَيْنِ لَكَ} . [البقرة: ١٢٨] . أجاب الله دعاءه وجعله إمام الحنفاء، وليست الإجابة مختصة بإبراهيم بل الأنبياء كلهم دعوا وأجاب الله دعاءهم بل الأمر علم لمن دعا الله بقلب حاضر متجنب الموانع قال تعالى:{ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ} . [غافر: ٦٠] . قال ابن القيم: " الدعاء من أقوى الأسباب في دفع المكروه وحصول المطلوب ولكن قد يتخلف عنه أثره إما لضعفه في نفسه بأن يكون دعاء لا يحبه الله لما فيه من العدوان وإما لضعف القلب وعدم إقباله على الله وجمعيته عليه وقت الدعاء فيكون بمنزلة القوس الرخو جدًّا فإن السهم يخرج منه
١ لا أصل له وهو من الإسرائيليات، بل بين شيخ الإسلام ابن تيمية -رحمه الله تعالى- أنه باطل، لا يجوز لمسلم الدعاء به. وقد بينته في: "معجم المناهي" وفي صحيح البخاري: ٨/٢٢٩ أنه -عليه السلام- قال: " حسبنا الله ونعم الوكيل".