باب في بيان ما جاء أن من الشرك أن يستغيث بغير الله أو يدعو غيره من الكتاب والسنة
قلت: عطف الدعاء على الاستغاثة عطف العام على الخاص لأن الدعاء يشمل الاستغاثة وغيره، والاستغاثة لا تشمل إلا الدعاء الذي في الكرب، فالاستغاثة لا تكون إلا في الضيق والكرب وطلب الغوث وتفريج الكربة وتفريج الشدائد، والدعاء يكون في الكرب وغيره فكل استغاثة دعاء وليس كل دعاء استغاثة وذلك إذا كان الدعاء في السرور والرخاء لطلب الفوائد، فمن الاستغاثة إلحاح النبي صلى الله عليه وسلم في الدعاء يوم بدر في العريش حين رأى شوكة الأعداء وخيلهم وخيلاءهم، وذلك قوله تعالى:{إِذْ تَسْتَغِيثُونَ رَبَّكُمْ فَاسْتَجَابَ لَكُمْ أَنِّي مُمِدُّكُمْ بِأَلْفٍ مِنَ الْمَلائِكَةِ مُرْدِفِينَ} . [الأنفال: ٩] .
ومن الاستغاثة ما ذكر ابن أبي الدنيا في كتاب المجابين في الدعاء عن الحسن قال: كان رجل من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم من الأنصار يكنى أبا مِعْلَق وكان تاجراً يتجر بمال له ولغيره يضرب به في الآفاق، وكان ناسكاً ورعاً فخرج مرة فلقيه لص مقنع في السلاح، فقال: ضع مع معك فإني قاتلك، قال: ما تريد إلا دمي، شأنك بالمال، قال: أما المال فلي فلست أريد دمك، قال: إذا أبيت فذرني أصلي أربع ركعات، قال: صل ما بدا لك، فتوضأ ثم صلى أربع ركعات فكان من دعائه في آخر سجدة سجدها أن قال: يا ودود يا ذا العرش المجيد فعالاً ما يريد أسألك بعزك الذي لا يُرام وملكك الذي لا يضام وبنورك الذي ملأ أركان عرشك أن تكفيني شر هذا اللص يا مغيث أغثني ثلاث مرات فإذا هو بفارس قد أقبل بيده حربة قد وضعها بين أذني فرسه فلما بصر به اللص أقبل نحوه فطعنه فقتله ثم أقبل إليه فقال له: قم