للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ص:  >  >>

فهو حق، ولا يمكن أن نقيس أحوال الآخرة على أحوال الدنيا لوجود الفارق العظيم. فإذا كان كذلك فإن المؤمن يقبل مثل هذا الخبر بانشراح وطمأنينة ويتسع فهمه له.

ثانيًا: تلقي أحكامه بالتنفيذ والتطبيق:

إن حسن الخلق في معاملة الله بالنسبة للأحكام أن يتلقاها الإنسان بالقبول والتنفيذ والتطبيق فلا يرد شيئًا من أحكام الله، فإذا ردّ شيئًا من أحكام الله، فهذا سوء خلق مع الله سواء ردها منكرًا حكمها، أو ردها مستكبرًا عن العمل بها، أو ردها متهاونًا بالعمل بها، فإن ذلك مناف لحسن الخلق مع الله عز وجل.

ولنضرب لذلك مثلا: الصوم لا شك أنه شاقّ على الإنسان؛ لأن الإنسان يترك فيه المألوف من طعام وشراب ونكاح، وهذا أمر شاقّ، ولكن المؤمن حسن الخلق مع ربه -عز وجل- يقبل هذا التكليف بانشراح صدر وطمأنينة، وتتسع له نفسه فتجده يصوم الأيام الحارة الطويلة وهو بذلك راضٍ منشرح الصدر؛ لأنه يحسن الخلق مع ربه. أما سيئ الخُلُق مع الله فيقابل مثل هذه العبادة بالضجر والكراهية ولولا أنه يخشى من أمر لا تُحمد عقباه لكان لا يلتزم بالصيام. ومثال آخر: الصلاة لا شك أنها ثقيلة على بعض الناس، وهي ثقيلة على المنافقين، كما قال النبي عليه الصلاة والسلام: "أثقل الصلاة على المنافقين صلاة العشاء وصلاة الفجر" ١. لكن الصلاة بالنسبة للمؤمن قرة عينه وراحة نفسه، قال الله تعالى: {وَاسْتَعِينُوا بِالصَّبْرِ وَالصَّلَاةِ وَإِنَّهَا لَكَبِيرَةٌ إِلَّا عَلَى الْخَاشِعِينَ} [البقرة: ٤٥] .

{الَّذِينَ يَظُنُّونَ أَنَّهُمْ مُلَاقُو رَبِّهِمْ وَأَنَّهُمْ إِلَيْهِ رَاجِعُونَ} [البقرة: ٤٦] .

فهي على هؤلاء غير كبيرة بل إنها سهلة يسيرة، ولهذا قال النبي صلى الله عليه سلم: "وجُعلت قرة عيني في الصلاة" *.

فحسن الخلق مع الله عز وجل بالنسبة للصلاة، أن تؤديها وقلبك منشرح مطمئن وعيناك قريرتان، تفرح إذا كنت متلبسًا بها وتنتظرها إذا أقبل وقتها، فإذا


١ متفق عليه: رواه البخاري ٦٥٧. ومسلم ٦٥١.
* صحيح رواه النسائي ٣٨٧٩, ٣٩٤٠. وصححه الألباني في الصحيحة ١٨٠٩.

<<  <   >  >>