للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ص:  >  >>

المسلمين، ولنضرب لذلك مثلا: ثبت في صحيح البخاري من حديث أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "إذا وقع الذباب في شراب أحدكم فليغمسه ثم لينزعه، فإن في إحدى جناحيه داء والأخرى شفاء" ١.

هذا خبر رسوله الله صلى الله عليه وسلم، وهو صلى الله عليه وسلم في أمور الغيب لا ينطق بما أوحى الله إليه؛ لأنه بشر، والبشر لا يعلم الغيب بل قد قال الله له: {قُلْ لَا أَقُولُ لَكُمْ عِنْدِي خَزَائِنُ اللَّهِ وَلَا أَعْلَمُ الْغَيْبَ وَلَا أَقُولُ لَكُمْ إِنِّي مَلَكٌ إِنْ أَتَّبِعُ إِلَّا مَا يُوحَى إِلَيَّ} [الأنعام، الآية:٥٠] .

هذا الخبر يجب علينا أن نقابله بحسن الخلق، وحسن الخلق نحو هذا الخبر أن نتلقى هذا الخبر بالقبول، وأن نجزم بأن ما قال النبي صلى الله عليه وسلم في هذا الحديث فهو حق وصدق وإن اعترض عليه من يعترض. ونعلم علم اليقين أن ما خالف ما صح عن رسول الله صلى الله عليه وسلم فإنه باطل؛ لأن الله تعالى يقول: {فَذَلِكُمُ اللَّهُ رَبُّكُمُ الْحَقُّ فَمَاذَا بَعْدَ الْحَقِّ إِلَّا الضَّلَالُ فَأَنَّى تُصْرَفُونَ} [يونس: ٣٢] .

ومثال آخر:

من أخبار يوم القيامة، أخبر النبي صلى الله عليه وسلم: "أن الشمس تدنو من الخلائق يوم القيامة بقدر ميل" ٢.

سواء كان ميل المكحلة أو ميل المسافة، هذه المسافة بين الشمس ورؤوس الخلائق قليلة، ومع ذلك فإن الناس لا يحترقون بحرّها مع أن الشمس لو تدنو الآن في الدنيا مقدار أنملة لاحترقت الدنيا، فقد يقول قائل كيف تدنو من رؤوس الخلائق يوم القيامة بهذه المسافة ثم يبقى الناس؟ فما هو حسن الخلق نحو هذا الحديث؟ حسن الخلق نحو هذا الحديث أن نقبله ونصدق به، وأن لا يكون في صدورنا حرج منه، ولا ضيق، ولا تردد، وأن نعلم أن ما أخبر به الرسول صلى الله عليه وسلم في هذا


١ صحيح رواه البخاري ٣٣٢٠. وأبو داود ٣٨٤٤. وابن ماجة ٣٥٠٥. وأحمد ٢/٢٦٣, ٣٥٥, ٣٨٨, ٣٩٨, ٣/ ٢٤٦. وابن حبان ١٢٤٣, ٥٢٢٦.
٢ صحيح: رواه مسلم ٢٨٦٤. والترمذي ٢٤٢٣. وأحمد ٦/٤٠٣. وابن حبان ٧٣٣٠.

<<  <   >  >>