الناس فقال في الجنة {الَّذِينَ يُنْفِقُونَ فِي السَّرَّاءِ وَالضَّرَّاءِ وَالْكَاظِمِينَ الْغَيْظَ وَالْعَافِينَ عَنِ النَّاسِ وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ}[آل عمران: ١٣٤] .
وقال الله تعالى:{وَأَنْ تَعْفُوا أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى} . [البقرة: ٢٣٧] .
وقال تعالى:{وَلْيَعْفُوا وَلْيَصْفَحُوا} . النور، الآية: ٢٢. وكل إنسان يتصل بالناس فلا بد أن يجد من الناس شيئًا من الإساءة، فموقفه من هذه الإساءة أن يعفو ويصفح، وليعلم علم اليقين أنه بعفوه وصفحه ومجازاته بالحسنى سوف تنقلب العداوة بينه وبين أخيه إلى ولاية وصداقة. قال الله تعالى:{وَلَا تَسْتَوِي الْحَسَنَةُ وَلَا السَّيِّئَةُ ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَدَاوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ}[فصلت: ٣٤] .
فما هو الأحسن، السيئة أم الحسنة؟ الحسنة. وتأملوا أيها العارفون باللغة العربية كيف جاءت النتيجة بـ إذا الفجائية تدل على الحدث الفوري في نتيجتها:{فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَدَاوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ} ولكن هل كل أحد يوفق إلى ذلك؟ قال: لا {وَمَا يُلَقَّاهَا إِلَّا الَّذِينَ صَبَرُوا وَمَا يُلَقَّاهَا إِلَّا ذُو حَظٍّ عَظِيمٍ}[فصلت: ٣٥]
وهاهنا مسألة: هل نفهم من هذا أن العفو عن الجاني مطلقًا محمود ومأمور به؟
قد نفهم من هذا الكلام أن العفو مطلقًا محمود ومأمور به. ولكن ليكن معلومًا لديكم أن العفو إنما يُحمد إذا كان العفو أحمد، ولهذا قال الله تعالى:{وَجَزَاءُ سَيِّئَةٍ سَيِّئَةٌ مِثْلُهَا فَمَنْ عَفَا وَأَصْلَحَ فَأَجْرُهُ عَلَى اللَّهِ إِنَّهُ لَا يُحِبُّ الظَّالِمِينَ}[الشورى: ٤٠] فجعل العفو مقرونًا بالإصلاح، وهل يمكن أن يكون العفو غير إصلاح؟
الجواب: نعم. قد يكون هذا الذي اجترأ عليك وجنى عليك رجلٌ شرير، معروف بالشر والفساد، فلو عفوت عنه لتمادى في شره، وفساده، فما هو الأفضل حينئذ، أن نعفو أو نأخذ بالجريمة؟ الأفضل أن نأخذ بالجريمة؛ لأن في ذلك إصلاحًا.