وتقدم في حديث عبد الله بن عمرو هذا أيضًا: قلت: يا رسول الله إنا نسمع منك أحاديث لا نحفظها، أفلا نكتبها؟ قال:"بلى فاكتبوها" فمن قول عبد الله بن عمرو -رضي الله عنه- "أفلا نكتبها"، وقوله صلى الله عليه وسلم "اكتبوها". ومن قوله في الحديث السابق "بينما نحن حول رسول الله صلى الله عليه وسلم نكتب" يستفاد أن الكتابة للسنة كانت تقع بين يدي رسول الله صلى الله عليه وسلم مباشرة، بعلمه وموافقته، وأن عبد الله بن عمرو استأذن الرسول صلى الله عليه وسلم لنفسه ولجماعة معه، وأذن الرسول صلى الله عليه وسلم لجماعتهم فقال:"اكتبوها". وبمقتضى هذا الإذن كانوا يجتمعون حوله صلى الله عليه وسلم ويكتبون كتابة جماعية، كما يستفاد من الحديث الأول أن عبد الله بن عمرو كان يعتني بصيانة ما كان يكتبه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم في صندوق خاص حتى لا يتطرق إليه تلف أو ضياع أو دخيل، وهذا يعد تأصيلاً لما ذكره علماء المصطلح في ضبط الكتاب، دون أن يذكروا له مثالاً كهذا، ويستفاد كذلك أن عبد الله بن عمرو كان يخرج المكتوبات التي في هذا الصندوق، ويحدث منها بقراءته ويسمع منه جماعة الحاضرين، ومنهم من يسأله، كما يفيده قول الراوي عنه:"كنا عند عبد الله بن عمرو -رضي الله عنه- وسئل..." وقول الراوي: إن الصندوق الذي أخرج عبد الله منه المكتوب الذي حدثهم به كان له "حلق" إشارة منه لتأكده من مناسبة الحديث وملابساته، ووجود تلك الحَلَق في الصندوق تفيد، إما كبر حجمه، بحيث وُضع له حَلَق تُسهل حملَه ونقلَه، وإما مزيد العناية بوضع حلق فيه لإحكام إغلاقه.