للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

[تمهيد]

الأُمِيُّون وحفظ السنة في الصدور:

يقول الله عز وجل: {إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ} [الحجر:٩] . والذكر هنا هو القرآن الكريم، وقد قررت هذه الآية بوضوح وتأكيد أن الله تعالى بعظمته العليا كما تفرد بإنزاله على رسوله الكريم، فقد تفرد أيضا بحفظه وصيانته العامة الأبدية من أي تحريف أو دخيل، ومن لوازم حفظه

-سبحانه- لكتابه العظيم، أنه حفظ أيضًا سنة رسوله صلى الله عليه وسلم التي جعلها بيانا له معصوما من الخطأ، لصدوره من مقام النبوة الذي لا ينطق عن الهوى إن هو إلا وحي يوحى، ولما كانت بداية بعثته صلى الله عليه وسلم في الأميين لحكم سامية، فإن المرحلة الأولى لتلك البعثة قد شاعت فيها أمية القراءة والكتابة بلغة العرب التي اختارها -الله تعالى- لتكون لغة القرآن الكريم، ولم تكن تلك الأمية مثل أمية عصورنا هذه التي تحول بين صاحبها وبين سلامة النطق واستقامة الفهم لما يسمعه، بل كان من دلائل نبوته صلى الله عليه وسلم كونه أميًا، وكان الأمي من العرب الخلص يتمتع بسليقة أصيلة تجعله ينطق العربية نطقًا صحيحًا، ويفهمها فهمًا سديدًا.

كما كان العربي الأمي يتمتع أيضًا بحافظة تفوق قوتها ودقتها الوصف بحيث جعل الغالب فيهم تعويله الأصلي عليها بما يعوضه في غالب أمره عن حفظ الكتابة والقراءة، بل إن محمد بن عكرمة بن عبد الرحمن بن الحارث بن هشام قال:"كان ابن شهاب يختلف إلى الأعرج -يعني عبد الرحمن بن هرمز صاحب أبي هريرة فيسأله الحديث، ثم يأخذ قطعة ورق فيكتب بها ثم يتحفظ،

<<  <   >  >>