هكذا شغلت ذهنه فكرة التوحيد في العقيدة مجردة من كل شريك، وفكرة التوحيد في التشريع، فلا مصدر له إلا الكتاب والسنة".
١١- قال أمين سعيد، في كتابه "سيرة الإمام الشيخ محمد بن عبد الوهاب":
"سيرة الإمام الشيخ: محمد بن عبد الوهاب التميمي من أحفل السير بالعظات، وأغناها بالفضائل، وأحقها بالبحث والفصل، والتفسير والتعليل، وهي سيرة مصلح من كرام المصلحين، ومجاهد من كبار المجاهدين، وعالم من خيرة العلماء، أنار الله بصيرته، وهداه سبله، وألهمه التقوى، فدعا أمته للرجوع إلى الله، والعمل بكتابه وسنة رسوله، ونبذ الشرك وعبادة القبور. انقادت إليه، واقتدت به، واشتجايت به، فأخرجها به من الظلمات إلى النور، فنجت وفازت، وجنت أطيب الثمار، وسمت إلى مرتبة الأخيار".
ثم ذكر ولادة الشيخ، وما كانت حالة الضعف والانحطاط التي سرت في جسم الدولة العثمانية، وذكر أحوال الجزيرة العربية، وما فيها من ظلمات الجهل، ومزيد الفقر، وتفشي الفوضاء:
"وفي وسط ذلك الجو القائم المربد؛ جو الجهل والجمود، جو ضعف الوازع الديني، وتسلط الحكام، واستبداد الطغام؛ أشرقت من جانب نجد أنوار الدعوة الوهابية، التي حمل مشعلها الإمام الشيخ: محمد بن عبد الوهاب، فأنارت للأمة السبيل، وألهمتها رشدها، فشقت طريقها، واهتدت بهديها، وحققت الدعوة لنجد آمالها. وقد بدأت في محيطها، أو لما بدأت فأنشأت لها مجتمعاً إسلامياً سليماً، يؤمن بالتوحيد، ويعظم شأنه، ويسير على هداه، ولا يدعو مع الله أحداً.
ولا يزال هذا حاله، لم يتبدل ولم يتغير منذ عهد الشيخ حتى يومنا هذا، فهو يصدع بالحق ويؤمن به.
وانبثقت عن هذا المجتمع دولة عربية كريمة، نشأت في ظل الدعوة، وآمنت بها، فكانت أول دولة عربية كبرى يؤسسها العرب داخل جزيرتهم بعد دولة الخلفاء الراشدين، فاتبعت طريقهم، وترسمت خطاهم، فسادت وشادت، ووسعت حدودها، وانتشرت الدعوة في بلاد العرب، وبلاد الإسلام، وسرى نورها في أرجائها،