كما ظهر كُتَّاب آخرون كتبوا عن فضائل المدينة والأحداث التي وقعت فيها منذ تأسيسها إلى زمنهم، وعن أعلامها، ومعالمها ... ولا أعرف مدينة - باستثناء مكة - توالت الكتابات عنها عبر العصور كالمدينة المنورة، وأكاد أزعم أنه ما من جيل إلا وظهر فيه من صنف كتابًا أو رسالة أو فصلاً في كتاب عنها، وقد اهتم معظم الذين كتبوا عنها بوصف معالمها، وركزوا اهتمامهم على المعالم التي ورد ذكرها في السيرة النبوية والحديث النبوي الشريف، ولم يتركوا تلة أو ثنية إلا وذكروا اسمها والأخبار الواردة عنها، واستشهدوا بما ذكرت فيه من شعر أو قول مأثور، فضلاً عما زخرت به معاجم البلدان ومعاجم اللغة وكتب الجغرافيا وكتب الرحلات، فصار لها تراث ثقافي هائل ومتنوع، بدأ بالسيرة النبوية، وامتد إلى العادات والتقاليد، وشمل جوانب الحياة السياسية والاجتماعية والثقافية، وغيرها ...
وعندما بدأ مركز بحوث ودراسات المدينة المنورة بجمع هذا التراث ودراسته، كانت السيرة النبوية في مقدمة اهتماماته، وقام خلال السنوات القليلة الماضية من عمره بخدمات عدة في هذا الميدان، وما زال مستمرًا في أدائها، وسيبقى كذلك إن شاء الله، حيث إن خدمة السيرة جزء أساسي من خدمته للمدينة المنورة وتراثها الحضاري، وأذكر هنا أهم الأعمال التي أنجزها حتى الآن في هذا الميدان:
أولا: التوثيق الميداني لأحداث السيرة النبوية:
عندما بدأ المركز بتحديد خطط عمله في خدمة السيرة، وجد أنه من غير الحكمة أن يكرر جهود العلماء السابقين في جمع روايات السيرة؛ بعد خمسة عشر قرنًا من عمرها، وأن عليه أن يتجه إلى دراسة هذه الروايات والموازنة