الواقدي بمقارنتها مع روايات الآخرين للكشف بتفصيل عن الأسباب التي أدت إلى تضعيفه من قبل المحدثين.
ونظراً لظهور المحدثين المبكر على ظهور الأخباريين، فإنهم تقدموهم في وضع قوانين الرواية، وقلّدهم الأخباريون في طرائق العرض، فكلاهما يهتم بالسند من حيث الظاهر، لكن أسانيد المحدثين حَوَتْ رواة تعرف سيرهم وتتميز أشخاصهم، أما أسانيد الأخباريين فيرد فيها رواة لا نجد لهم في كتب التراجم ذكراً. وقد انتبه السبكي (ت ٧٧١هـ) لضرورة وضع قواعد للمؤرخين، لكن محاولته كانت متأخرة وناقصة (١) .
إن المحدثين قدموا للإنسانية منهجاً متكاملاً، واسعاً وشاملاً، للتعامل مع الرواية قبل ثلاثة عشر قرناً، في حين ظهر منهج النقد التأريخي عند الغربيين في أواخر القرن الثامن عشر. وهذا يوضح مدى السبق الذي حققه المحدثون، وقد انعكس ذلك على الحياة الأدبية والثقافية والدينية في المجتمع الإسلامي، حيث تكوَّنت العقلية النقدية في أوساط النخبة، مما كان له أثر كبير في دفع الحضارة الإسلامية في عصور ازدهارها.
لقد تطور منهج النقد عند المحدِّثين منذ القرن الثاني الهجري لغاية القرن التاسع الهجري حيث لم تَجْرِ تعديلات مهمة عليه بعد السخاوي (ت٩٠٢هـ) ، ورغم أن المتخصصين في القرن العشرين أعادوا صياغة المنهج بصورة شاملة أو جوانب منه، فإنهم لم يقوموا باستقراء تام؛ لإعادة النظر في مسائله وقواعده بإضافة أو تعديل على ضوء ما انتهى إليه البشر في العلوم المختلفة.