هؤلاء ما أحدثه الإسلام من نقلة هائلة في عالم العقيدة.. عن التشبيه والتمثيل والتعطيل. وحتى العبادات القديمة مثل الحج زمن إبراهيم (عليه السلام) ، الذي طرأ عليه تغيير وابتداع، فإن الإسلام أعاده إلى نقائه وأزال منه بدع الجاهلية وتحريفاتها التي ميزت قريشاً عن العرب وحققت لهم منافع اجتماعية واقتصادية واضحة مثل عدم الوقوف بعرفة بزعم أنهم أهل الحرم فلا يغادرون إلى الحل (عرفات) واحتكار بيع الثياب للحجاج بزعم أنهم الخمس، وأن ثياب الحجاج لا تصلح للطواف، وبإنكارهم أداء العمرة في موسم الحج حتى تتكرر مواسم التجارة، وإنكارهم التجارة في الحج (١) ، وبحفاظهم على ٣٦٠ صنماً حول الكعبة يمثلون القبائل، وبحفاظهم على صورة مريم وعيسى (عليه السلام) وصورة إبراهيم يستقسم بالأزلام على جدران الكعبة، ويتناسون ما أحدثه الإسلام من ثورة على الاقتصاد الجاهلي القائم على الربا والاحتكار والميسر وما أحدثه من تغيير هائل في علاقات الرجال والنساء ...
والقصد من هذا التحريف والتشويه للحقيقة القول بأن الرسول صلى الله عليه وسلم مصلح اجتماعي قاد العرب نحو الوحدة والنهضة معتمداً على استلهام ذاكرتهم الجمعية مستوحياً النظم المختلفة من تراث الجاهلية، فليس ثمة وحي يوحى وكتاب ينزل، بل كانت الأمة مهيأة للنهوض حال ظهور القائد وقد فعلت ضمن سنن الاجتماع وقوانين التاريخ العامة.
بيان أن القرآن رد على اتهام مشركي قريش للنبي صلى الله عليه وسلم بأخذ العلم من مصادر أعجمية: {وَلَقَدْ نَعْلَمُ أَنَّهُمْ يَقُولُونَ إِنَّمَا
(١) السايس، تفسير آيات الأحكام، ١/١٤٧، وقد اشتهرت نسبة الكتاب للسايس، والصحيح أن الكتاب لمؤلفين ثلاثة وهم محمد العرفة، وعبد السلام العسكري، وأحمد حميدة، وأما السايس فأشرف على تنقيحه فقط، كما في طبعة سنة ١٩٣٣م.