للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ص:  >  >>

عصر ومصر يأكلون ذبائحهم، فمن خالف ذلك؛ فقد أنكر إجماع المسلمين. اهـ.

واختلف العلماء ـ رحمهم الله ـ: هل يشترط لحل ما ذكاه الكتابي أن يكون أبواه كتابيين، أو أن المعتبر هو بنفسه بقطع النظر عن أبويه؟ فالمشهور من المذهب أن ذلك شرط، وانه لا يحل ما ذكاه كتابي أبوه أو أمه من المجوس أو نحوهم، والصحيح أن ذلك ليس بشرط، وأن المعتبر هو بنفسه، فإذا كان كتابيا؛ حل ما ذكاه، وإن كان أبواه أو أحدهما من غير أهل الكتاب، قال شيخ الإسلام ابن تيميه: الصواب المقطوع به أن كون الرجل كتابيا أو غير كتابي هو حكم يستفيده بنفسه لا بنسبه، فكل من تدين بدين أهل الكتاب؛ فهو منهم سواء كان أبوه أو جده داخلا في دينهم، أو لم يدخل، وسواء كان دخوله قبل النسخ والتبديل أو بعد ذلك، وهذا مذهب جمهور العلماء كأبي حنيفة ومالك والمنصوص الصريح عن أحمد وإن كان في ذلك بين أصحابه نزاع معروف وهذا القول هو الثابت عن الصحابة، ـ رضي الله عنهم ـ ولا أعلم في ذلك بينهم نزاعا، وقد ذكر الطحاوى أن هذا إجماع قديم. اهـ.

وأما غير الكتابي فلا يحل ما ذكاه؛ لمفهوم قوله تعالى: (وَطَعَامُ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ حِلٌّ لَكُمْ) (المائدة: ٥) . قال الخازن في تفسيره: أجمعوا على تحريم ذبائح المجوس وسائر أهل الشرك من مشركي العرب وعبدة الأصنام ومن لا كتاب له، وقال الإمام أحمد: لا أعلم أحدا قال بخلافه إلا أن يكون صاحب بدعة.

الشرط الثالث: أن يقصد التذكية، فإن لم يقصد التذكية؛ لم تحل الذبيحة، مثل أن تصول عليه بهيمة فيذبحها للدفاع عن نفسه فقط، أو يريد قطع شيء فتصيب السكين حلق بهيمة فلا تحل؛ لقوله ـ تعالى ـ: (إِلاَّ مَا ذَكَّيْتُمْ) (المائدة: ٣) فأضاف الفعل إلى المخاطبين، وهو فعل خاص (تذكية) فيحتاج إلى نيته؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم ((إنما الأعمال بالنيات، وإنما لكل امرئ ما نوى)) (١) .

وهل يشترط مع ذلك أن يقصد الأكل؟ على قولين:

أحدهما: لا يشترط فلو ذكاها لإراحتها أو تنفيذا ليمين حلف به كقوله: والله لأذبحن هذه الشاة، فذبحها لتنفيذ يمينه فقط حلت لعموم الأدلة.

القول الثاني: أنه يشترط، اختاره الشيخ


(١) رواه البخاري، كتاب بدء الوحي، باب كيف بدء الوحي إلى رسول الله ... ، رقم (١) ومسلم، كتاب الجهاد، باب قوله النبي صلى الله عليه وعلي آله وسلم: ((إنما الأعمال بالنية)) رقم (١٩٠٧) .

<<  <   >  >>